Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2019

في ذكرى رحيل سيّد الرجال..*د. مأمون نورالدين

 الراي

يتفق جميع من عاصروا الحسين رحمه الله سواء من الأردنيين أو غيرهم ممن عرفوه أو عملوا معه في المحافل الدولية أنه كان يمتلك تلك الكاريزما الفريدة التي نشعر ولغاية اليوم كأردنيين خصوصاً أنّها لم تغادر مع جسده الطهور. عقدين منذ نكّست الأعلام وأعلنّا الحداد على باني الأردن الحديث والقائد العبقري الشجاع الذي حافظ على بلاده التي عشق وأتقن إدارتها، وخدمها بكل أمانة وإخلاص بالرغم من كل ما مرّت به من ظروف استثنائية. ما زلنا وللآن نستذكر بصماتٍ ودروس تركها لنا نتعلّم منها كأفراد، ونهجٍ عام نسير عليه كدولة ولدت وما زالت تعيش في هذا المحيط الملتهب. قاعدتين لأردن قويّ وضعهما الحسين -طيّب الله ثراه-، ثم رعاهما وحصّنهما وسلّمهما لخير الخلف من بعده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لتكونا القيم الأساسية للدولة الأردنية الحديثة ومفتاح استقرارها.
 
عن القاعدة الأولى، فإنه عند ذكر الحسين يستذكر العالم دبلوماسية فريدة جداً، حيث يشهد له العالم بمهارة إدارة العلاقات العربية والدولية، في حين عرف عنه أيضاً أنه لم يضع نفسه أو دولته في موقف الضعف للحظة. إن السلوك الدبلوماسي الإستراتيجي الذي أسّسه الحسين رحمه الله كان طوق النجاة للأردن في كلّ مرة تهبّ فيها العواصف. وإن كنا لنبسّط هذه الإستراتيجية الدبلوماسية فإننا نستطيع أن نلخّصها بأننا نبحث عن أصدقاء أكثر، وأعداءٍ أقلّ، إلّا أنّ أيٌ من هذا لن يكون يوماً على حساب سيادتنا وأمن الأردنيين واستقرارهم.
 
أما القاعدة الثانية، فهي العلاقة بين الحاكم ومواطنيه التي بنيت على مبدأ الإخلاص المتبادل، فكما أن المواطنين مخلصين للملك، فإنّه أيضاً شديد الإخلاص لمصالحهم وقريب منهم. من أقوال الراحل المأثورة والتي أثبتّها بالفعل لا بالقول فقط «كيف لي أن أكون ملكاً صالحاً خيّراً مثالياً، إذا كنت لا أعرف رعاياي جيّداً؟»، وقال أيضاً: «إنني أحب هذا الشعب حبّاً جمّاً وعميقاً، وإنني لولاه لما كنت شيئاً مذكوراً» (من كتاب مهنتي كملك). وهكذا سنّ الراحل هذه العلاقة، وبالرغم من كل الأحداث، إلّا أنّه كان دائم الحرص على التواصل مع شعبه مباشرة ما استطاع، فنحت في ذاكرة الأردنيين مشهد جلالة الملك الحسين يقود سيارته متنقلاً بشوارع عمّان والمحافظات مصافحاً قدر ما استطاع من أبناء شعبه. وحتّى في شدّة مرضه لم يضيع فرصة للإستفسار عن حال الأردنيين وأوضاعهم وتوصية المسؤولين برعاية مصالح الشعب وشؤونهم بأفضل الطرق.
 
لو كان لرسالتنا أن تصل إلى فقيدنا لقلنا له: اطمئن يا سيدي فما زرعت ما زال يثمر، والنهج الذي أسست تعزّز، وما زال الأردن الواحة الآمنة الصامدة في لجّة إعصار التقلّبات الإقليمية التي لا تختلف اليوم كثيراً عمّا عاصرتموه من أحداث حزينة ما بالها إلّا أن تفرض تحديّات جديدة على بلدنا الغالي. ارقد بسلام وبرحمة الله تعالى يا أبا عبدالله فالأردن بأيد أمينة تحفظه وتصون ما بنيته لهذا الشعب العظيم، وإن شاء الله إن المستقبل لأفضل.