Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Oct-2017

اليساريون الجدد وديك الحارة !! - محمد كعوش
 
الراي - لم يكن أهل الريف في بلاد الشام يملكون ساعات منبهة، الا أنهم كانوا يستيقظون على صياح الديك عند حلول الفجر يوميا وبانتظام. لكن الأمور تغيرت استجابة لنظرية النشوء والتطور والإرتقاء، العادات تتغير والمفاهيم تتغير والعالم كله يتغير.
 
في هذا العالم المتغير تم الإسغناء عن وظيفة الديك، لذلك فقد بوصلته واحساسه بالوقت وتاه في الزمن. تأكدت من هذه الظاهرة عندما أدركت أن ديك الجيران وهو الديك الوحيد في الحي فقد بوصلته فعلا، اسمعه يصيح مرة في الظهيرة ومرة في العصر او عند الغروب وربما في منتصف الليل.
 
حال هذا الديك التائه يشبه حال العديد من السياسيين والكتّاب والشعراء والمفكرين الذين فقدوا بوصلتهم وتاهوا واعتذروا عن وعيهم، وهم في أغلبهم من الذين نشأوا وترعرعوا في صفوف الحركة الوطنية او في بيت اليسار الماركسي، وهي ظاهرة انتشرت في طول الوطن العربي وعرضه، هناك كم هائل من الذين انقلبوا على معتقداتهم وقناعاتهم وذاتهم وانكروا تاريخهم أمام أول منعطف.
 
انا افهم موقف كاتب أو صحافي او شاعر او مفكر يعتنق الفكر اليميني او ينتمي الى تيار ديني محافظ يدافع عن قناعاته ومواقفه، ولكن لا أجد تفسيرا لتحول الكثيرين من اليساريين الى ما يشبه «الرجل الصرصار» بطل رواية دوستويفسكي المشوه الذي يمثل حالة من الإغتراب والتناقض دون أن أعرف العوامل الكامنة وراء هذا السلوك سوى تقديم المنفعة الذاتية على المسؤولية الوطنية، من أجل الرفاهية والعيش المريح والتخلص من حالة التوتر والقلق.
 
لا اتحدث عن مفكر واحد بعينه أو كاتب او صحافي معين، بل اتحدث عن حالة ظاهرة تحدث تخريبا أخطر من التدمير الذاتي الذي تمارسه التنظيمات الفوضوية المتطرفة التي يقودها جماعة من المتشددين الحمقى، هؤلاء المتحولون اذكياء قرأوا وتثقفوا وامتلكوا المعرفة في بيت اليسار، وأتقنوا فن الحوار واستخدام جمالية الكلمات وبرعوا في ادارة لعبة الإقناع وتغيير الأقنعة.
 
ومن اجل تحسين اوضاعهم اضطروا الى الإنحناء امام اسياد الطائفية والجهوية والقوى الخارجية استجابة للطلب، واطلقوا اقلامهم وافكارهم وكتاباتهم باسم الحرية والديمقراطية لمنح التنظيمات الإرهابية «شرعية الثورة « باسلوب يعبر عن حداثة الإنحطاط والإنتهازية المفرطة.
 
هذه الظاهرة ولدت بالتزامن مع غزو العراق، حيث كان العراق «بروسيا» العرب وبغداد عاصمة الخير في نظر الجميع، والعمق الإستراتيجي لكل العرب، ولكن بين ليلة وضحاها صارت بغداد عاصمة الشر والديكتاتورية، وعلت الأصوات المتحولة تطالب بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان للشعب العراقي، يعني بصريح العبارة تأييد الإحتلال، اسوة بالشيوعيين والإخوان المسلمين وأعوان واشنطن، وهو الخندق الذي جمعهم تحت راية الإحتلال.
 
اليساريون الجدد أذكياء، عرفوا منذ البداية تفاصيل اللعبة الأميركية في المنطقة المتمثلة بمشروع تقسيم العراق ، كمقدمة لتقسيم المنطقة كلها تحت شعار اميركي معلن هو الشرق الأوسط الجديد، وكانوا يدركون ان سوريا مستهدفة ايضا، ولكن كتّاب ومفكري وصحافيي «اليسار الجديد» شوهوا العراق شاركوا في الحملة على سوريا، رغم أن المشهد واضح والقتلة واضحون، والهدف هو تفكيك الدولة وتقسيمها.
 
اللافت أن كل أبواب الصحف وشاشات الفضائيات في العواصم فتحت لهم، حيث ابدعوا في استخدام المعرفة والخبرة في فن الأقناع والفصاحة في الخطابة من اجل دعم التنظيمات المتطرفة وتشويه «النظام المستبد» في سوريا المحتاجة الى «الديمقراطية الأميركية» !!
 
ولكن الرياح سارت في الإتجاه المعاكس، فتحطمت أوهام «الربيع العربي» على صخرة وتماسك الجيش والشعب، لأن مجد دمشق كان ولا يزال في دفاعها عن هويتها، وسيثبت التاريخ ان هذا الصمود الأسطوري أعاد للأمة روحها. وفي النهاية ارى أن الذين اعتذروا عن وعيهم وتاريخهم ان يلتقطوا اللحظة التاريخية لتصحيح البوصلة، أو أنهم سيظلون يصيحون خارج الزمن مثل ديك حارتنا!