Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-May-2018

صديقي من ضيعة «منبج» السورية - علاء طعامنة

 الراي - مر على زيارتي الى اسطنبول أقل من الشهر ولا زال محياه يحضرني كل يوم ، ذلك الفتى الاسمر ذو الملامح العربية.

كانت قد أخذتني خطواتي بعد أن انتهيت من التجوال في إحياء اسطنبول القديمة نزولاً بإتجاه زرقة البحر التي كانت لي بوصلة قادتني إلى حيث أجهل.
كان لا زال لدي شيء من وقت جعلني أستمع إلى نصح ذلك الشاب الحلبي الذي استوقفته وانا اسأل: من أين لي ان استقل اقرب سيارة أجرة إلى المطار؟
كان جوابه لي: ولماذا التاكسي والقطار السريع قريب من هنا ؟ قال لي: « مش مشان المصرات، بس القطار اسرعلك» ، وقد بدت لهجته الحلبية السورية كما يصدح صباح فخري بالموشحات الحلبية الحبيبة.
كان يرافقه شاب عربي اخر ، وكان هنالك العديد من الشبان العرب الذين فرقهم عن أوطانهم خنوع العرب وانهزامهم الذي يكاد يطوقها بلاد «العرب أوطاني» ، التي باتت « بلاد العرب احزاني».
استكملت خطواتي نزولاً إلى شارع يكاد يكون في الوادي، وتوجهت إلى محطة القطار التي يقال لها
«يونيكابيه» وقد علمت لاحقاً بأن معناها:
« البوابة الجديدة»
وفي طريقي لفت انتباهي مطعم شعبي دخلته وانا لا اشتكي من الجوع، ولكن أحببت الجو الذي كان يحتضن المكان من طاولات متقاربة ومنظر صاحب المطعم صاحب الشارب الكث وهو يقلب الطعام ويشرف على خدمة الزبائن.
اخترت طاولتي بعناية حيث ان الضوء القوي والهواء المباشر يسبب لي الصداع ، جلست قريباً من المدخل بمواجهة الشارع انظر المارة حتى دخل مجموعة من الشبان ، وقد اختاروا الطاولة الملاصقة لي من الخلف. وبعد قليل ، جاء وجلس على طاولتي شاب لا يزيد عمره عن الثامنة عشرة من العمر ، وقد استأذن باللغة التركية ان يجلس على ذات الطاولة معي لكي يكون في المكان الاقرب من رفاقه.
رددت عليه وقد مرت وجوه اولادي امامي وانا اقول له: «اهلا وسهلا بك على طاولتي ، كيف لا وقد سمعتك تتكلم العربية قبل ان تجلس».
اخذنا حديث شجي عرفت من خلاله ان اسمه خير الدين وأنه من ضيعة منبج الحدودية السورية ، التي لا زالت تقبع بين فكي كماشة التنازع السوري القائم.
كان خير الدين يناديني يا عمي ، وقال لي ان له من الاخوة تسعة ومن الاخوات خمسة ، وأنه جاء إلى اسطنبول ليساعد أهله على العيش.
علمت انه يعمل بالحقائب، يبيعها للناس بعد أن حملته حقيبته إلى المهجر حينما كان لا يزال في الثالثة عشرة من عمره.
كنت قد طلبت وجبة غداء وكان هو قد طلب ثلاثة ارغقة من اللحم بالعجين المشهور هناك ، وقد اعتقدت انه يطلبها لأنها الأكثر اشباعا ولكن بأقل الثمن.
جاءت وجبتي اولاً فأصررت على خير الدين ان يشاركني وجبتي وقد وافق بعد أن تمنع ، وبعد أن أصر على أن أعده ان اشاركه ما سيأكل.
كان يأكل بأدب وقد قدم لي صحنه كي نتبادل الطعام. لم يستطع أن يتذوق الكنافة التركية ، فقد قال:
خربت اسناني يا عمي من اكل البسكويت الذي عشت عليه أول مهجري حتى بليت اسناني.
لقد ابكاني اليوم وابكى قلبي دون دمع عندما قال لي حينها: ان والدي مفقود منذ أكثر من عامين بعد أن اخذته داعش، كما قال لي لقد مات لي من الإخوة اثنان !!!
كانت أقل من ثلث ساعة هي الفترة التي عشتها من معاناة خير الدين الشاب الفتي من منبج.
كان خير مثال لآلاف مؤلفة من أبناء العرب الذين يغادرون. كان خير الدين سورياً وكان يمنياً وكان عراقياً وكان حتما فلسطينياً !!
وكان وكان كل عربي... !!!
كان خير العربي الذي يلخص قصيدة نزار قباني ، التي قال فيها: «متعب بعروبتي».
سار معي خير الدين حيث دلني إلى محطة القطار ، سلمت على خير الدين وقد منعت نفسي ان احتضنه.
نظرت إليه وانا انظر إلى ولدي. قلت له: «االله يحميك»، وقد كانت تلك الكلمات أفضل ما قد يحتاجه خير الدين وهو اسير العروبة وطريدها و فريستها.
ذهبت إلى محطة البوابة الجديدة قادتني إليها فتاة تركية لا تتكلم الإنجليزية ولا العربية ، تبرعت ان
استعمل بطاقة القطار خاصتها بعد أن دفعت لها ثمن التذكرة. قالت لي «يوك» عندما أشرت لها انني لن آخذ الباقي من ثمن التذكرة. كانت محجبة وهي بنت المدرسة سارت بعيدا عني محتشمة وقد غادرت بعد أن تأكدت انني وصلت إلى محطتي.
لقد وصلت الي محطتي وانا الآن آمن في بيتي ، فهل خير الدين آمن ؟ وهل عاد والده ؟
هل تجد الأمة العربية بوابتها الجديدة ؟
االله يحميك يا خير الدين ويحمي كل عربي فهو متعب بعروبته وهو قابع في الخطر !!