أبجدية اللغة الكورية! - سليم ايوب قونة

آخر تحديث
27-Jan-2018
Tweet

الراي - على رأس القرارات التي سأعمل جادا علي تنفيذها في العام الجديد تعلم أبجدية اللغة الكورية! لأنني أريد ان افهم أكثر وبشكل مباشر ماذا سيقول الكوريون الشماليون والجنوبيون لبعضهم حين يجتمعون أولا لبحث مشاركة الشماليين في الالعاب الاولمبية الشتوية في الشهر القادم في ديار الجنوبيين ، ثم ، وهذا هو بيت القصيد ، اذا تشعب حديثهم ليشملافاق مستقبلهم فوق شبه الجزيرة الواحدة التي جمعتهم منذ آلاف السنين!

فالترجمة الفورية أو المكتوبة في أية لغة ومهما كانت دقيقة ومتقنة لا تفي بالغرض ، تماما كالفرق بين استنشاق عبير عطر غالي الثمن و شم رحيق وردة غضة تتمايل على غصنها! فالكوريون الصامدون على جانبي خط وقف اطلاق النار بطول 250 كم وعرض 4 كيلومترات الذي فرضته الامم المتحدة عام 1953 يعلمون جيدا انه في حالة اشتعال حرب جديدة بينهم لن يبقى على أرضهم شيء ليحتفلوا به سوى الدمار والموت والحزن. بينما تترقب جهات اخرى خارجية تطورات المشهد للاعلان عن انتصارها ، نيابة عنهم ، فتشرب الانخاب وترقص حول الجثث والمنشآت المحترقة!

لهذا تحلى الكوريون الشماليون والجنوبيون منذ عام 1953 بالصبر والتروي واختاروا دروب العقلانية والحكمة ، وركزوا جهودهم وطاقاتهم على بناء وطنهم المجزأ بكل تفان واخلاص. وعلى الرغم من شح مواردهما الطبيعية تمكنت الكوريتان من الوقوف على أقدامها على كل الاصعدة وأصبحتا قدوة ومثالا للشعوب الاخرى في وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

فقد ولد التوأم الكوري بشماله وجنوبه من رحم الصراع الدولي على تقاسم غنائم الحرب العالمية الثانية. وحصد «ملحق» الحرب الكورية الذي استمر 3 سنوات أرواح 5 ملايين انسان بين عسكري ومدني. ورافق تلك الحرب تطورات عسكرية وجيوسياسية عالمية كبرى كان أهمها الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي باسم حلف وارسو والغربي باسم الحلف الاطلسي ، والتي ما يزال رمادها دافئا في مناطق متفرقة حتى الان!

اما العالم العربي بدوله التي جاوز عددها العشرون فقد كان ايضا من ثمار الحربين العالميتين الاولى والثانية. فمن رحم الثانية ولدت الجامعة العربية بأعضائها المؤسسين السبعة في حينه ، وكلها كانت تقع في قارة اسيا باستثناء مصر. ثم انضمت اليها الدول الاخرى التي حصلت على استقلالها تباعا. لكن المستعمر المحترف لا يرحل الا بعد ان يترك بصماته الخبيثة على العلاقات والحدود بين الكيانات حديثة الولادة والاستقلال ، تماما كما حصل في شبه الجزيرة الكورية وفي شبه القارة الهندية!

مثل هذه المقارنات قد تكون مفيدة اليوم لأنها قد تجعل الباحثين والدارسين والمختصين في العلاقات الدولية ، ان وجدوا ، يتساءلون:

لماذا لم تحذ الدول العربية حذو الكوريتين أو الدول الاوروبية التي مزقتها الحروب ؟ فهذه الدول لم تكتف بسبر افاق التعاون والاندماج فقط ، بل عملت ما بوسعها لتفادي الوقوع في فخ النزاعات المسلحة ، على عكس تجارب بعض الانظمة العربية التي زجت بمواطنيها ومجتمعاتها في صراعات دموية حتى ضمن حدود الدولة القطرية الواحدة.

لهذا قررت ان اتعلم أبجدية اللغة الكورية في اقرب فرصة لكي افهم كيف اصبحت كوريا الجنوبية على ما هي عليه اليوم من ازدهار وقوة ، وهي لا تملك من الجمل الا أذنه ، وكيف تمكنت كوريا الشمالية ، وهي التي لم تعرف يوما مذاق حليب الناقة ، من اعداد أوراق اعتمادها الصحيحة للانضمام لنادي الدول الذرية ، في حين تكاد بحار الدم والفوضى والضياع ان تأتي على آخر انفاسنا؟

المواضيع الأكثر قراءة