Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Dec-2018

ندوة تتأمل السرد غير التخييلي في الأردن بالجامعة الأميركية
الدستور -
 
نظمت مديرية ثقافة مادبا وكلية العلوم في الجامعة الأميركية بمادبا ندوة بعنوان " السرد غير التخييلي في الأردن " صباح يوم الأربعاء الثامن والعشرين من الشهر الجاري . وقد شارك في الندوة التي أدارتها الدكتورة الروائية شهلا العجيلي كل من : الدكتورة هند أبو الشعر من جامعة آل البيت ، والدكتور مصلح النجار من الجامعة الهاشمية ، والدكتور أكرم الديك من الجامعة الأميركية . والباحث كايد هاشم من منتدى الفكر العربي . والصحفية رلى السماعين من صحيفة جوردن تايمز .
وقد بدأت الدكتورة هند أبو الشعر بحثها حول السرد غير التخيلي في كتب المذكرات الأردنية " المخطوطة والمطبوعة لأواخر العهد العثماني " حيث بينت أن المصادر التي تتعامل مع السرد والتي تعتبر جزءا من مصادر التاريخ وهي كتب المذكرات وكتب السيرة وكتب الرحلات هي كلها تقدم سردا يمكن اعتباره من مصادر التاريخ المقبولة ، شريطة أن نخضعها للنقد التاريخي المنهجي . وقالت أبو الشعر إنها اعتمدت في ذلك على دراسة نصوص هذه المصادر بتوسع ، سواء في دراسة التاريخ الإسلامي أو التاريخ الحديث .
وقد اختارت الدكتورة أبو الشعر في بحثها عددا من كتب المذكرات المطبوعة والمخطوطة في الأردن ما بين أعوام 1914 و 1970 منها : مذكرات صالح المصطفى التل ، ومذكرات التاجر الشامي سعيد جمعة ، ومذكرات عودة القسوس ، ومذكرات خليل سماوي ، وغيرها .
ومن جانبه قدم الدكتور مصلح النجار قراءة حول كتابه " الحسن بن طلال : حكاية أمير عربي " كنموذج للسرد غير التخييلي ، وهذا الكتاب ، كما يقول الدكتور النجار ، ينطبق عليه أكثر من وصف ، فهو كتاب في السيرة الغيرية ، وهو جزء من قصة هذا الوطن يمتد على ثلث قرن ، ولم يكن في الكتاب متسع للتخييل ، بل كانت الوثيقة سيدة الموقف ، وكانت شهادات الأشخاص فسحة لاستيفاء المعلومات ، ولجمع القصص والحكايات .
وقد قدم الباحث كايد مصطفى هاشم نائب الأمين العام للشؤون الثقافية في منتدى الفكر العربي ورقة بحثية حول بواكير كتب الرحلات في الأردن ، وقال : لم يحظ فن كتابة الرحلات في الأدب الأردني المعاصر بدراسات جامعة له حتى يومنا هذا ، تفصح عن مسار تطوره وأساليبه ومضامينه واتجاهاته ، وتبين موقعه بين فنون الأدب والكتابة الأخرى التي نالت عناية الدارسين والنقاد أكثر من غيرها ، ولا سيما الشعر والقصة والرواية . وقال أيضا : لقد عكست المرحلة التاريخية التي مر بها المشرق والمغرب العربيان نفسها بوضوح في خطابات الرحلات . وغلب على هذه البواكير من الرحلات ومدوناتها الطابع الثقافي في الأغراض والمقاصد . وختم الباحث كايد هاشم بحثه بالقول إن عددا من النماذج الأردنية المبكرة في كتابة الرحلات لها فرادتها وتميزها في الثقافة والأدب العربي الحديث ؛ بما تمثل فيها من اتخاذ الرحلة أداة لتحريك مشروعات ثقافية وفكرية رسالية نهضوية ،من حيث الدراسة الميدانية للواقع الاجتماعي والسياسي والحضاري عموما .
وفي الجلسة الثانية تحدثت الصحفية في جريدة جوردن تايمز رلى السماعين في ورقتها البحثية عن موضوع السلام والعيش المشترك وحوار الأديان ، حيث أكدت أن الحوارات ما بين أتباع الأديان هي أحد متطلبات ومستلزمات هذا العصر الذي باتت فيه الكراهية هي العنوان العريض ، وأن صناعة السلام لإحلال السلام باتت تحتاج إلى جهد كبير . وتحدثت السماعين عن بعض المحاور التي أجملتها في كتابها " حصن السلام ، التجربة الأردنية في الحوار بين أتباع الأديان ونموذج العيش المشترك " والذي اشتمل في فصله الأول على العلاقة المتميزة بين لأتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية . وفي الفصل الثاني عن مبادرة رسالة عمان والتي أطلق عليها أم المبادرات .
   وتحدّث الدكتور أكرم الديك في كلمته عن كتابه الأول " كتابة النزوح" والذي يعالج قضايا سياسات الهويّة ومعنى الوطن في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين حيث تطرق إلى أهميّة الوسطيّة ما بين التقليد والتراث وبين الانفتاح وما يسمّى في الفلسفة الفرنسيّة بالبداوة . تقوم نظريّة الأخير على أن الإنسان بدويّ وعلاقته بالواقع يجب أن تكون مؤقّتة ومنفصلة كي لا تولّد الحنين وبالتالي تفادي التطرّف الناتج عن التقوقع في جغرافيّة المكان أو العرق أو الدين. ويسترسل الديك بأن هذا مفهوم منفتح جدا وخطير لما فيه تنصلّ من الأصل والتراث بالرغم من تعاطف الديك مع ردّة فعل كهذه ضد الانغلاق المتسبّب بالتطرّف. لكنه أيضا تطرق إلى موضوع القوميّة والعنصريّة والتي يفصل بينهما شعرة. وقد كتب الباحث كتابا يوضّح فيه ديناميكيّة الهويّة وعدم ثبوتيّتها في وجه هذا الكم الهائل من الهجرات القسريّة والانفتاح التكنولوجي والميل نحو التعدديّة الثقافية في زمن العولمة والسوق الرأسمالية الحرة. يدرس الباحث هنا أن النفي أو المنفى ليس سوداويا دائما. فقد يكون مكانا للإبداع وأرضا خصبة  للخلق وكسر قالب الروتين الذي طالما يوفّرالأمان. فلا يقتصر النزوح على الجغرافيا، بل إنه نفسي سيكولوجي ولغوي وثقافي. ويختتم  كتابه بتعزيز مكانة التعدديّة وبتلاشي المطلق بتواجد سرديّات فرديّة تطغى على السرديات الكبرى والتي ارتكزت عليها الحداثة فلسفيّا.
   من السرديات الفردية أيضا والمتعلّقة مباشرة بموضوع الندوة هو نوع جديد من الأجناس الثقافية ومن السلالات الفرعية للأدب غير التخييلي في ما بعد الحداثة ألا وهي الببلوميموارbibliomemorتجمع الببلوميموار ما بين المذكّرات واليوميّات والنقد الأدبي والسيرةالذاتية والتاريخ. فهي جنس ثقافي اعترافي بطريقة جامحة، ولا يأخذ شكلا معينا، فهيكلته مرنة لتحتوي السرد والحياة بفوضويّتها. كتاب الديك كما يقول هو تطبيق جديد لهذا النوع من الأدب وهو أوّل كتاب من نوعه في الوطن العربي بعنوان: "شجرة الكينا: حلقات في التشرد والشتات". فالكتاب يتطرق لمواضيع منها علاقة الكاتب بالنص, وبالمكان, وبالسياسة ، وبالعائلة، وبالأدب. فيجول السرد بين الذاكرة والحنين، بين التساؤل والبحث عن الإجابة، بين صوت الطفل الذي ينمو في داخل أستاذ الأدب وبين حسد المنفي وفضول المسافر. واسترسل الديك في توضيح المفارقات بين أنواع أخرى من السرد غير التخييلي ودورها كمدخل لقراءة التاريخ الاجتماعي والذاكرة. ككتابهالأول الأكاديمي والبحثي، وكتابه الثاني الإبداعي غير التخييلي يدرس البعد العابر للحدود للتحول الثقافي ويعيد كتابة كتابه الأول من خلال قصص قصيرة في ثلاثة عشر حلقة يتبعها بفصل منقسم كملاحظات للذات حيث إن الأخير يعتبر اعترافيا ويحفز على التطوير الدائم للذات.
   وفي الختام قدمت الدكتورة شهلا العجيلي، أستاذة الأدب الحديث والدراسات الثقافية في الجامعة الأميركية بمادبا ، ورقة بحثية بعنوان " أسئلة السرد غير التخييلي " والتي بيَّنت فيها أنها تطرح مجموعة من الأسئلة حول السرد غير التخييليّ، وهي سؤال حول تحديد المفهوم، وسؤال حول الأسباب التي فجّرت هذه الموضوعة، وسؤال حول التجنيس، وإذا ما كان هذا السرد نوعاً واحداً أم مجموعة أنواع، وسؤال حول إذا ما كان هذا الشكل الكتابيّ قديماً أم جديداً، ثمّ تناقش الورقة بعض ملامح هذا النوع السرديّ.
   وأضافت العجيلي: إنّ السرد غير التخييليّ يستبعد عنصر الخيال الفنيّ الذي نجده في الأنواع الأدبيّة السرديّة كالقصّة والرواية، وإذا عرفنا أنّ التخييل هو خلق تصوّر أو إيهام بتصوّر عن شيء ما، فإنّ السرد غير التخييليّ لا يتوخّى تصوّراً بل يفرض رؤيته بوصفها حقيقة، ويتعامل معها على هذا الأساس، إنّها الحقيقة الغائبة أو المضادّة التي تدحض الرواية السائدة. 
   ولعلّ ما فجّر أسئلتي حول السرد غير التخييليّ هو حديث طويل حول أفول الرواية وربّما موتها أو سطوة العناصر الأخرى تحت الأدبيّة والوثائقيّة تحديداً على بنيتها الفنيّة، والتي بلغت ذروتها في العام 2015 حينما حازت البيلاروسيّة سفيتلانا ألكسفيتش على جائزة نوبل للآداب، إذ أشارت الأكاديمية السويدية المانحة إلى أنّ فوزها يعود "إلى كتاباتها متعددة الأصوات التي تمثل معلماً للمعاناة والشجاعة في زماننا، وقالت رئيسة الأكاديمية إن ألكسيفيتش "كاتبة كبيرة وجدت طرقا أدبية جديدة"هذه الطرق ذاتها جعلتها تواجه موجة نقديّة، أشارت إليها أليكسيفيتش ذاتها قائلة: "يقولون إن ما أكتبه ليس أدبًا فما هو الأدب؟!
أزعجني دوما أن الحقيقة لا يحملها قلب واحد، عقل واحد، إنها حقيقة متشظية على أية حال. الكثير منها هناك، متنوعة، لقد نثرت في أرجاء العالم أعمل على التاريخ الغائب. يقولون لي كثيرا، حتى الآن، إن ما أكتبه ليس أدبا، إنه وثيقة. ما هو الأدب اليوم؟ من بإمكانه أن يجيب على هذا السؤال؟ نعيش أسرع من أي وقت مضى. يمزق المحتوى الشكل، يكسره ويغيره. كل شيء يفيض متعديا شواطئه، الموسيقى، الرسم - حتى الكلمات في الوثائق تهرب من حدود الوثيقة. لا حدود بين الحقيقة والتلفيق، أحدهما يتدفق نحو الآخر.  الشهود ليسوا متجردين.".
   وتؤكد الدكتورة شهلا العجيلي أنّ السند الفلسفيّ الذي فجّر الكتابات السرديّة غير التخييليّة هو  عالم ما بعد الحداثة الذي اهتمّ بحكايات الأفراد تحديداً، ذلك أنّ الأفراد وجدوا منصّات عدّة ليرووا تاريخهم الفرديّ ورؤيتهم للعالم التي باتوا يطمئنون إليها أكثر من اطمئنانهم للتاريخ بوصفه سرديّة كبرى تمّ تفكيكها، وكذلك هي علاقتهم مع الدين والأيديولوجيا والثورة والتنوير...
   وأضافت العجيلي : لقد ساعدت الدراسات الثقافيّة التي نمت منذ النصف الثاني من القرن العشرين بتقريب الحقول المعرفيّة بعضها من بعضها الآخر، فتلاقى كلّ من التاريخ و الأدب والعلوم الاجتماعيّة لصالح نصّ سرديّ غير تخييليّ يعتمد الوثيقة في أشكال عديدة مثل كتابة الرحلة أو المذكّرات أو السيرة أو التقارير الصحفيّة المعتمدة على أصوات الشهود، أو الرسائل المتخصصة بحقل معرفيّ ما، والقائمة على حكايات وأصوات..ستبرز في هذه الأشكال كلّها الفرديّة المضادّة لرؤية المجموع التاريخيّة السائدة، والتي ستبني سرديّات صغرى مفكّكة في كلّ منتج فرديّ للسرديّات الكبرى، تقدّم طرحاً معرفيّاً قد غيّبته الروايات الرسميّة أو قصرته على إديولوجيا محدّدة. وبأيّ حال فإنّ السرود غير التخييليّة في غالبيّتها جاءت إمّا لتدحض رواية ما أو لتدحض عدم  وجود رواية، أي تنفي تهميشاً وتثبت وجوداً.
هذ وقد دار حوار معمق في نهاية الندوة أجاب فيه المشاركون على أسئلة الحضور .