Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jan-2018

ذواتُ الخبرة - د. لانا مامكغ

 تعمّدت الجلوسَ بقربه فيما بدا منهمكاً بالقراءة، مالت نحوه برقّة... ثمَّ استأذنته بالخروج في الغد للانضمام إلى سيّدات الحيّ لحضور أمسيةٍ شعريّة لإحدى الأديبات... فوضعَ الكتابَ جانباً ليمسّدَ على شعرها النّاعم بحنوّ ويقول: « طبعاً، لكن دفّئي نفسَكِ جيّداً، الجوّ باردٌ هذه الأيّام « فابتسمت له بعينين صافيتين تفيضان حبّاً... ومضت إلى المطبخِ لتعدَّ وجبة العشاء وهي تترنّمُ بأغنيةٍ مرحة !

في اليوم التّالي، توجّهت إلى منزل إحدى الجارات حيثُ تُقام الفعاليّة، واتّخذت مكاناً لها بعد أن سلّمت على الحاضرات، كنَّ جميعَهن في حالة ترقّب لاستقبال الشّاعرة، ولم تمضِ دقائق حتى دخلت المكان سيّدةٌ في عقدها السّابع بشعرٍ منفوشٍ وشفاهٍ مطليّةٍ بالأحمرِالقاني... وترفلُ بثوبٍ مزركشٍ وبحفنةٍ من الاكسسوارات الفضيّة الضّخمة التي كانت تُصدرُ أصواتاً صاخبة بين الهسهسة والخشخشة والقعقعة مع كلِّ خطوةٍ للمرأة !
ثمَّ بدأت صاحبةُ المنزل توزّعُ الشّموعَ المضاءة في المكان، وتطفىء الأنوارَ في الوقت الذي افترشت فيه الشّاعرة ُالأرضَ وشرعت بإصدارِ صوتٍ كالأنين... ثمَّ لتستهلَّ إلقاءَ القصيدةِ الأولى بصوتٍ عالٍ تُخفضُه مع نهاية كلّ شطر حتى يتحوّلَ إلى همسٍ غير مسموع تقطعه فجأة بكلمتيْ « أوّاهُ... أوّاهُ ! « وتوالت القصائد والتأوّهات في الوقت الذي انبعثت فيه رائحةُ بخورٍ ثقيلة... سألت فقيلَ لها إنَّ البخورَ جزءٌ من الطّقوس التي تُصرُّ عليها الشّاعرة، إضافة إلى الأمور الأخرى... فلم تفهم، كما لم تفهم شيئاً ممّا ألقته السّيّدة، فكانت لحظةً سعيدة تلك التي عادت فيها الإنارةُ كما كانت، ودعت فيها المضيفةُ الحاضرات إلى تناول الشّاي، فوقفت بين مجموعةٍ منهن، لتقتربَ منها امرأةٌ مكتنزة بعينين ضيّقتين حادّتي النّظرة وتسألَها بصوتٍ غليظ: « أنتِ هي العروس الجديدة في المجموعة ؟ « فلمّا ردّت بالإيجاب، أطلقت ضحكةً ساخرة لتصيحَ بعصبيّة ممزوجةٍ بنبرة استهزاء: « انظروا، ما زالت إحداهن هنا بحاجةٍ لرجل ! « فاقتربت أخرى لتقولَ وهي تلتهمُ قطعة حلوى بشراهة: « يا حرام يا حبيبتي، هل سمعتِ عن مصير الدّيناصورات ؟ الرّجال على الطّريق ! « ثمَّ اقتربت الشّاعرة لتوجّه الحديث هذه المرّة إلى إحداهن: « أتوقعُ منكِ خبراً مثيراً في صحيفتك عن لقائنا هذا، ولا تنسي الصّورة... من الأرشيف طبعاً ! « ثمَّ أضافت: « أعرّفكن على صديقتي الصّحفيّة ذات القلم الذي يهابُه سادةُ القوم... « ثمَّ لتلفتَ نحو العروس لتقول: « وأنتِ يا حلوة، إذا صادفتكِ أيّ متاعب مع زوجك، عليك بالتواصل معها، ستحوّل أيّ مشكلة إلى تحقيق صحفي، لا تتردّدي، أنتِ ما زلتِ صغيرة ولا تعرفين ما ينتظركِ... اسألينا نحن ذواتِ الخبرة في عالم الرّجال ! « وارتفعت ضّحكاتٌ ذات مغزى في المكان... في حين اضطرت هي إلى مجاملتهنّ بابتسامةٍ حائرة !
ثمَّ جلسن حولَها ليدورَ حديثٌ مطوّل عن الخيانات الزّوجيّة، وعن جملة الاحتياطات والخطط التي عليها أن تتّبعُها لضبط الحالة في بداياتها... لأنَّ الأمرَ قادمٌ لا محالة كما تمَّ تحذيرُها من المبالغة في الأعمال المنزليّة لأنَّ ذلك شروعٌ من الرّجل في استعبادها ليس إلا.
في مساء اليوم التّالي، لاحظَ الزّوجُ أنّها ساهمة شاردة، سألَها فغمغمت بما لم يفهم، حاولَ الاقترابَ منها وتحسُّسَ جبينَها للاطمئنانِ على صحّتها، فبدرت منها حركةٌ رافضة ٌ للمستِه !
حاولَ سؤالها مرّةً أخرى، ولم تجب، فابتعدَ ليجلسَ بعيداً وهو يفتعلُ انشغاله بتصفّحِ هاتفه، دونَ أن يلاحظَ أنّها كانت ترمقه بين الحين والآخربعينين باردتين مليئتين بالشّك والنّفورِ والرّيبة !