ليس من الضروري جدا بالطبع ان تنسجم خلفية هذا المسؤول العلمية والمهنية مع طبيعة موقعه الجديد. ومع ذلك يبدأ القريبون منه في داخل المؤسسة ومن خارجها، ممن تربطهم به علاقة أو مصلحة أو غاية أو حتى صداقة من جانب واحد، بالتسابق في التصفيق والترويج لمبادرته كرافد اضافي لتعزيز نرجسيته، ولكي يضمنوا دورا ولو ثانويا في تنفيذها وقطف بعض ثمارها الطيبة!

 

في هذه الاثناء أيضا ينشغل فريق آخر (من الداخل) من محترفي الانتهازية «بضبضبة» واخفاء ملفات مشروع آخر مشابه من حيث الاهداف، كان المسؤول السابق قد طرحه وبنفس السيناريو عندما استهل الاخير عمله في المرحلة السابقة، وذلك لازاحة عناصر التشويش السلبية عن محيط المسؤول الجديد، وتهيئة الظروف الملائمة والمريحة له ليركز على تفاصيل نهجه الابداعي!

 

لا يختلف الامر كثيرا بالنسبة لظاهرة اعادة تدوير النرجسية على المستوى الشعبي. فقبل ايام كنت شاهدا وبصحبة بعض الاصدقاء على نسخة حقيقية لهذه الظاهرة المرضيّة. اذ كانت مجموعة من الشبان والشابات، وقد شمروا عن سواعدهم، منهمكة باعداد الحفر وغرس أشتال لنباتات مختلفة في حديقة عامة في أحد أحياء عمان. اقترب منهم أحد الاصدقاء ليستفسر عن ذلك النشاط الميداني في درجة حرارة لم تتجاوز ال 10 مئوية!

 

بعد حديث ودي استمر بضع دقائق مع الناطق باسم تلك المجموعة التطوعية عاد صديقنا وقدم لنا تقريرا شفويا جاء فيه ان تلك المجموعة الشابة كانت بصدد تنفيذ مبادرة تطوعية ذات طابع بيئي تشمل زراعة الأشتال في أماكن عامة في عمان للتخفيف من مضار التلوث ومحاربة التصحر عن طريق زيادة المساحات الخضراء وتشجيع العمل التطوعي حسب الناطق، مضيفا بأن الجهة المعنية زودتهم بالأدوات اللازمة وقدمت لهم كافة التسهيلات.

 

طبعا كان فريق مختص حاضرا لتوثيق هذا الانجاز ونشره في وسائل التواصل المعروفة، وكل ما هو مطلوب من الجماهير الضغط على ايقونة الاعجاب الشديد لكي تكتمل عناصر قصة النجاح!

 

لكن نظرة لاحقة متأنية على الموقع آنف الذكر كشفت وجود أكوام متفرقة، يمنة ويسرة على شكل نفايات، لنباتات وشجيرات خضراء تماما، ما زال بعضها مزهرا وجذورها مغطاة بالتراب الاحمر الرطب. ويبدو ان تلك النباتات المكومة هي بقايا مبادرة ربما كانت أكثر تنظيما وحرفية من قبل فريق آخر، ألغتها المبادرة الحالية، لدرجة ان القائمين علي الجديدة لم يفطنوا الى ضرورة اخفاء و ضبضبة أثارها كما يحدث في بعض الوزارات والمؤسسات، بل تركوها مبعثرة على الارض بالرغم من وجود حاويات قريبة!

 

مشهد لا تنقصه الشفافية أو البساطة، لكنه طريف ومحزن لأنه يكشف خللا خطيرا في طريقة تعاملنا مع تفاصيل حياتنا اليومية، أكناّ مكلفين أو متطوعين، تحت شعارات تسحرنا فنرددها كما تفعل الببغاوات سجينة الاقفاص المزركشة!

 

تبقى المسافة بين النرجسية والثقة بالنفس زئبقية مثل أمزجة البشر. أحيانا يمكن اختصارها بلمحة بصر، وأحيانا أخرى قد يتطلب قطعها سنينا ضوئية!