Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Oct-2017

شهوة الكراسي د. محمد القضاة

 

الراي - صُنعت الكراسي لتغيير نمط عيش الإنسان وتأمين راحته، يتنافس الناس على شرائها لانتقاء أجودها وأجملها، وتتغير النظرة إليها من مجتمع لآخر، وحين تستعرض المشهد المعاكس تعجب من الراغبين بها والمتنافسين عليها، وتقول في قرارة نفسك أليس الكرسي قطعة ثمينة تتناحر عليه هذه الاعداد! أم انه مجرد اربع ارجل لا يتجاوز الجماد؟

 
وحين يجلس عليه الجالسون وينفشون أذرعهم وأكتافهم تبدأ الحكاية بقصة موت الجارية؛ جارية القاضي وتُعد عبرة ودرساً لمن يظن أن الناس يوقرون صاحب الكرسي، وقد غاب عنهم ان الناس يوقرون كرسيه، والقصة منشورة في كتب التراث، ومن أراد المزيد فليذهب الى كتاب «سير أعلام النبلاء»، وغيره من الكتب التي تنقل لنا اخبار السلف ممن أبدعوا في نقل تلك القصص المعبرة عن واقع الاجداد والأضداد، وهي القصص التي تتكرر في زماننا، والانسان العاقل أنّى كانت مكانته وموقعه قد يرى هذه الفصول في كل آوان، ويعرف ان الدنيا كما الكرسي الدوار، وان لا مجد للإنسان، وإنما المجد للكراسي وهذه حقيقة وليست من باب الكتابة لتعبئة الفراغ، وإنما العبرة في النهاية.
 
وتعالوا معي لتقرأوا القصة العبرة، والعبرة لمن يعتبر:» ماتت خادمة القاضي فجاء التجار والأعيان يعزونه فيها! وحين مات القاضي لم يحضر أحد لتعزيته، لقد ذهبوا يباركون للقاضي الجديد». لنتأمل القصة ونقرأ الحقيقة في واقع المجتمع المعيش، فكم مسؤول كان صاحب نفوذ وهيلمان وحين غادر موقعه انفض السامر من حوله؟ وكم غني تناوب الناس امام بيته ينافقون له ويحضرون للسلام عليه، وحين افلس غابوا عنه! وكم قصة وقصة سمعنا بها من هذا القبيل، وحين تلتقي أصحابها تشعر بغصصهم وحزنهم على حبل الأكاذيب التي اكتشفوها بعد ان غطى هيلمان المكان على ابصارهم وبصائرهم! وكم وكم...؟
 
أقول كما يقول اصحاب الخبرة والتجربة «لا تحتفظوا في حياتكم بمن يغيرون وجوههم كما يغيرون ملابسهم وحسب مصالحهم، وهذا النوع من البشر يتكاثرون في أماكن حاجتهم لكم، وينقرضون في أماكن حاجتكم لهم!». واقول لمن يجلسون على الكراسي لنقرأ بعمق، ونتأمل القصص المحيطة بِنَا، كي نتعامل مع الكراسي بمنتهى الموضوعية، وانه مجرد كرسي باربع ارجل، او كرسي دوار، والمعنى ان الناس يتناوبون عليه، وليتذكروا كم واحد سبقهم؛ منهم من ترك أثرا طيبا لا يُنسى، ومنهم من مضى الى غياهب النسيان، والذكي من يفهم لغة الكراسي وانعكاساتها وشهوتها في المرايا بعد زمن. وبعد، تزدحم الأفكار وتتضارب المصالح وتتقاطع المشاهد وتبقى الأمانة في الحياة أهم من كل الكراسي كما جاء في قوله تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا «، ولنتذكر قول علي بن أبي طالب كرم االله وجهه:» لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه».
mohamadq2002@yahoo.com