Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Dec-2017

الصّريخ... - م. باهر يعيش

الراي - سألتني وهي تتأفّف تنفخ كقطار الصعيد: لماذا لا تكتب عن ذوي الأصوات العالية حيث يجب

ولا يجب, قلت: سأفعل!!
أنت قد اخترت ركنا قصيا في مقهى طلبا للهدوء وعزلا للنفس عمّا يبغّص ينغّص يطحن النّفس. يقرع هاتف أحدهم/ أحداهنّ مدوّيا عاليا كرنين جرس قطارعلى محطّة يزمع الرّحيل، أو كدقّات ساعة بيج بن الشّهيرة إذ تقرع تولول برزانة وبرود أهل الضّباب.. هناك وأنت تزور معالمها في غرفة الأجراس, تنطز.. تهلع تستعيذ باالله، يبدأ صاحب الجرس الفضائحي بالحديث بصوتٍ همسُه يهزّ جسد عصب صاحب أضعف الأسماع فيحيي مواتها.
يصرخ يولول يعاتب وقد يستفزّ فيشتم, قد ينقل خبرا فضائحيا بحق فلان أو فلانة إذ يسميها بالإسم والكنية واسم الاب الرباعي واسم الأم كأنّه يقرأه من نموذج لتعبئة نموذج لطلب حصّة من دعم في خبز في سكرّ هنا أو في لحم لوبستر أو جمبري من روّاد موائد الشانزيليزيّة هناك..(في باريس) يسمع كلّ من في المقهى صوته يعيد ويزيد, يجبرهم يفرض عليهم خاوة أضطهادا أن يسمعوه
بإرادتهم أو بدون. أنت المسكين الحزين المغلوب على أمره، المبطوح على خشمه المفقوع القلب والكبد والفشّتين، مفروض عليك مكتوب عليك يا ولداه أن تسمع تصمت تخرس لسانك حتى لو دست عليه بأسنانك، أن تصبر على ما بلوت به ولا من مجيب. تتنحنح لا من مجيب، تبكي تلطم تولول.. هو/هي تحسبك تهلّل تكبّر تتلوّى طربا لما تسمعه إعجابا وتفاعلا. يمضي الخطابي العصابي إلى
طاولته.. ليبدأ مع ساكنيها معركة نزالًا بالنّقاش بالتحدّث على نفس الموجة على نفس المنوال في موضوع خاص أو عام يطال الأمّة
ومصير البشريّة, صراخ وزعيق, في عرفهم دعما لما يقولونه, وللسامع المرغم المضطهد عذاب واضطهاد.
إثنان يتهامسان صراخا في زاوية من ممر عام أو على مقاعد في منتزه شاء حظّك العاثر وأنت تطلب هدوءا وسط الزّعيق, زعيق تلفاز
مذياع الجار في الحيّ السابع, همس جارتين طرماوتين تتحدّثان من وراء جدار, زعيق أبواب المركبات وهدير ضاغطة هواء ينقر يثقب رأس
ريشتها العمياء البكماء الصّمّاء الطرماء العملاقة في هدأة ليل بهيم شغاف قلبك وأمّ صنبور أذنك هناك بعيدا في رحمها فينتهك
سترها ينسف غطائها فتصنّ ويصنّ معها كلّ مسمار وبرغي في مفاصلك وكلّ لفة في دماغك. أنت في حضرة خطيب شاء سوء
حظّك أن تسمعه. يصرخ يولول حتى يكاد يتفرقع وأنت لا تعي هل هو يخطب فيك أم يضطهد أسماعك و يعتدي عليك. أحيانا أنت
مضطرّ أن تسمع بالتشارك, سماعًا سلبيّا لا ناقة لك فيه ولا بعير تماما كما التدخين السلبي لمن لا يدخّن, يجلس بقرب أو بعد مدخنة
بشريّة ل...يتسرطنا معا.
يدور نقاش المفروض أن يكون بين أثنين، أنت تقف في انتظار حافلة أو طابور خبز أو لقاء مع مسؤول لم يظهر منذ أيّام. يحتدم
النّقاش, تعلو الأصوات يشيحان بأنظارهما يسلّطونها عليك أنت المعتّر من شاء سوء حظّك التواجد هناك في تلك اللحظة. يوجّه كلّ
منهما كلامه بل وما شاء من حركات طبيعيّة أو شاذّة من يديه وأصابعه نحوك وهو يغمز بعينه جانبا باتجاه الغريم. يستشهد كلّ
منهما بك بحثّك على الاجابة على تساؤلاته وطلب بل انتزاع تأييدك لما يرد في كلامه. تتطوّر الحكاية وتعلو الاصوات ويكاد الفريقان أن
يفتكا بك إنتقاما من الغريم وأنت العبد الفقير لم تنبس ببنت شفة, لم يبدر عنك همسة بل حبست أنفاسك حتى لا تزعج أحدهما
فيبطشان بك. تبدو كالأبله أمام من يراقب الوضع فكلاهما يكلّمانك يعنّفاك يصرخان في وجهك وأنت تائه طائش طافش غارش لا حول
لك ولا قوّة. قد يتطوّر الأمر إلى عراك فتساق معهما إلى التخشيبة النّظارة كمشارك يطال جزءًا من نصيب من نغز من همز من لمز إلى
حين تتّضح الحقائق، أو لربما كشاهد في مئتي جلسة محاكمة تؤجّل وتؤجّل إلى ما شاء االله. رحمك االله وأطال في عمرك فقد كنت
مسالما أدخل الحرب عناء بلاء.
يا أخي وصديقي، يامعوّد: لماذا تفرض على الآخرين أن يسمعوك صرّيّخا, أن يشاركوك في مخاصمتك أو مواضيعك أو حتى غزل على
موجة عالية ليس لهم فيها ناقة ولا حتى صوص، لماذا لا توصل وجهة نظرك بهدوء وتروي يسبغ عليك مهابة واحترامًا ورغبة كبيرة
للإستماع إليك بدل عزوف عنك ونفور منك يكسباك خسران قضيّتك ولو كانت عادلة محقّة. يا أخي: احترم حريّة الآخرين,ثمّ... إنّ أنكر
الاصوات أعلاها، فهل تريد أن تصنّف بين أصحابها...لا أظنّ ذلك!!