Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Oct-2020

الاتفاق مع السودان يستوجب الحذر

 الغد-هآرتس

بقلم: تسفي برئيل 25 /10/2020
 
“أخيرا يستطيع الإسرائيليون المطالبة بلجوء سياسي في السودان” هذه هي النكتة التي تم تناقلها الجمعة الماضي، بعد أن نُشر بيان عن اتفاق التطبيع بين الدولتين. بنغمة أكثر جدية بدأت في إسرائيل الأقاويل عن المكسب الذي ينتظرهم من الطرد المتوقع لطالبي اللجوء ومهاجري العمل السودانيين لدى عودتهم إلى وطنهم. وكما هو متوقع، فإن “روتين” التوقيعات على اتفاقات التطبيع مع دول المنطقة تنشط أوتوماتيكيا صفحات إكسل السياسية والعسكرية، والممتلئة بقوائم الربح والخسارة لكل طرف من الأطراف وكأن السلام مع دولة أخرى في المنطقة ليس أكثر من نشاط تجاري.
المكاسب لكلا الطرفين واضحة ومفهومة، السودان سيتم رفعه من قائمة الولايات المتحدة للدول الداعمة للارهاب، وتستطيع البدء بالحصول على القروض الضرورية لها من مؤسسات التمويل الدولية وبالأساس من صندوق النقدد الدولي، وشركات دولية يمكنها أن تستثمر فيها وتخلق آلاف فرص العمل، وهذه الدولة التي هي من أفقر الدول في العالم تستطيع ربما البدء بإعادة تأهيل ذاتها بعد عشرات السنين من إدارتها السابقة.
إسرائيل ستستكمل بهذا الاتفاق حزامها الأمني في البحر الأحمر، والتي تشارك فيه مصر والأردن وجنوب السودان والسعودية، لكن المكسب الأساسي من جهة إسرائيل هو ترسيخ التطبيع مع دول المنطقة وقبولها، كإستراتيجية إيجابية تخدم المصالح العربية.
التطبيع مع السودان، واتحاد الإمارات والبحرين، لا يلغي النزاع الإسرائيلي-فلسطيني، ولكنه سيسحب من إسرائيل الادعاء التقليدي الذي يقول إن السلام مع الفلسطينيين مشروط بإنهاء النزاع الإسرائيلي العربي، لأنه في حين ان هذا النزاع آخذ في التفكك فإن المشكلة الفلسطينية ستتواصل كونها مشكلة إسرائيلية، دون علاقة بعدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا البرج المدهش في الإمارات (برد حليفو) أو هواة الرحلات الميدانية الذي يمكنهم السفر مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم.
اتفاق التطبيع مع السودان، مثل سابقيه مع دول الخليج، هو ثمرة لمفاوضات اقتصادية- سياسية، وعندما تم عزل البشير عن كرسيه في نيسان (أبريل) 2019 في أعقاب مظاهرات ضخمة قُتل فيها عشرات الأشخاص، سارعت السعودية والإمارات لمنح المجلس العسكري الذي استولى على الحكم، مساعدة مالية بمبلغ 3 مليارات دولار. والقيادة السودانية الجديدة مكونة من ذراعين: المجلس السيادي المؤقت المكون من 11 عضوا ومن بينهم 5 عسكريين و5 مدنيين وقائده هو الجنرال عبد الفتاح البرهان. وتحته تعمل حكومة برئاسة عبد الله حمدوك، وحسب وثيقة الدستور التي وُقع عليها في 2019 فإن هذه التشكيلة ستظل موجودة حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 وهو الموعد المخطط لأن تجري فيه انتخابات عامة.
في هذه الأثناء لا يوجد برلمان فاعل، بعد أن تم حله مع عزل البشير. هذه تشكيلة وبنية هشة تتعرض لنقد جماهيري من جانب الشارع، الذي لا يتوقف عن الغليان. فقط يوم الأربعاء الماضي جرت مظاهرات في عدد من مدن السودان احتجاجا على الوضع الاقتصادي الصعب، وعلى الارتفاع النيزكي للأسعار، وعلى النقص في الوقود الذي يتسبب بطوابير طويلة كل يوم في مداخل محطات الوقود، وعلى نية الحكومة بتقليص الدعم بالوقود. هذه المظاهرات غير مرتبطة باتفاق التطبيع، ولكنها تدلل على انعدام الثقة والغصب على الحكومة المؤقتة.
هذا التوتر يُجند بصورة طبيعية أيضاً لأهداف سياسية، ويتم تغذيته على يد الادعاء بأن اتفاق التطبيع ليس شرعيا نظرا إلى أنه موقع من قبل حكومة مؤقتة بدون مصادقة البرلمان. من أجل تهدئة النفوس أعلن وزير خارجية السودان عمر قمر الدين، أن الاتفاق سيدخل إلى حيز التنفيذ بعد مصادقة البرلمان، أي على الأقل بعد حوالي سنتين، ولكن المجلس السيادي المؤقت لا ينوي الانتظار: تطبيق الاتفاق بدأ مع فتح سماء السودان للطائرات الإسرائيلية، وبدء النقاشات حول اتفاقات اقتصادية في مجال الزراعة والصحة. ولكن صراعات القوى السياسية فقط ابتدأت.
الصادق المهدي، وهو زعيم حزب الامة الوطني الإسلامي، وهو أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة هدد بأن حزبه سينسحب من الحكومة إذا تم التوقيع على اتفاق التطبيع. هذا تهديد مهم، حيث إن المهدي وهو معارض يعارض حكم المجلس السياسي رغم مشاركته في الحكومة، يمثل ليس حركته فقط بل أيضاً تيارات إسلامية عديدة في الدولة. انسحابه وانسحاب حركات أخرى من شانه أن يؤدي لسقوط الحكومة وإلى إعادة اندلاع المظاهرات وإلى مواجهات عنيفة بين الجيش والشرطة من جهة والمواطنين من جهة اخرى، بالتحديد في الوقت الذي فيه تحتاج السودان إلى فترة من الهدوء والاستقرار.
السودان ليست دولة الإمارات أو البحرين فهو دولة فيدرالية يوجد فيها للقبائل المحلية قوة ونفوذ. لقد نجحت حركات احتجاج مدنية في إقصاء نظام استبدادي معمر، ووثيقة الدستور تلزم بإجراء انتخابات وتعديلات دستورية بصورة تسمح بنشاط سياسي واسع لحركات المعارضة. بناءً على ذلك ليس هنالك ضمانة في أن الحكومة ستنجح في الصمود أمام الضغوط الداخلية. (ولهذا سوف تؤجل تطبيق اتفاق التطبيع)، مثلما أنه لا يوجد ثقة في أن الحكومة الجديدة التي ستنتخب لن تخرق الاتفاق. على هذه الخلفية يمكن فهم بيان رئيس الحكومة حمدوك والذي يقول أنه في المرحلة الأولى لن يكون هنالك تبادل للسفراء او فتح سفارات متبادلة.
هذا الحذر يلزم أيضاً إسرائيل.
الاستعراضات والتصريحات العلنية حول الاتفاقات والفرص ستخدم جيداً معارضي الاتفاق وحركات المعارضة الذين سيبذلون الآن جهوداً من أجل اعاقة تطبيقها. الاختبار سيكون في الفائدة الاقتصادية الفورية التي يمكن للحكومة أن تعرضها على المدنيين: السودان غارقة في ديون تبلغ حوالي 60 مليار دولار، وميزانيتها ضئيلة وعاجزة، وحوالي 75 % من موارد نفطها خسرتها عندما تم إقامة جنوب السودان سنة 2011، التضخم ارتفع في الشهر الماضي إلى أكثر من 212 % والجنيه السوداني هبط في السوق السوداء إلى 250 للدولار مقابل السعر الرسمي الذي يبلغ 250 جنيه بالدولار.
القيادة في السودان لا تستطيع الاستدانة من صناديق دولية أو بتمديد أجل الديون، هي ستحتاج إلى ضخ مباشر لمبالغ مالية لغايات التطوير، وهذه من شأنها نظرياً أن تأتي من السعودية ومن دول خليجية أخرى. السؤال سيكون من سيفوز في هذه المنافسة، الدول المانحة او الاحتجاج الداخلي. بهذا سيكون مرهوناً أيضاً اتفاق التطبيع مع إسرائيل.