Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2018

اغتيال لأربع مرات.. - المحامي بشير المومني

الراي - عادة ما يكون الاغتيال تعبيرا عن لحظة تكتيكية في حياة الامم والشعوب لاهداف ثأرية انتقامية او لتحقيق غرض سياسي بمعنى انه يتم لغيره لا لذاته ويبدأ وينتهي بتحقيق تلك الاهداف لكن في حالة الشهيد وصفي التل فالوضع مختلف تماما وهو الشخص الوحيد الذي كان اغتياله لذاته لا لغيره وهو الشخص الوحيد ايضا الذي جرى اغتياله لاكثر من مرة !!

سيد شهداء الاردن وصفي التل رحمه االله تعالى اغتيل كمشروع واغتيل كإنسان واغتيل توظيفا واغتيل فهما وهو بذلك الشخص الذي اغتيل اربع مرات بكل ما تحمل الكلمة من معنى فعملية قتله كانت الاغتيال الشخصي له كإنسان بإنهائه من الوجود كشخصية مؤثرة في صناعة القرار الوطني الاردني وليس اتخاذه او تنفيذه فقط وهو قيمة ومرجعية بحد ذاته كرجل دولة ومواقف صعبة ومفكك للأزمات كان رأس الدولة الملك حسين طيب االله ثراه يعول عليه كثيرا في حمل العبء الاكبر لاهم المفاصل التاريخية والوجودية للدولة وكان بذاته وشخصه درعا سميكا لمؤسسة العرش التي فداها وصفي بروحه وتحمل كامل المسؤولية الادبية والسياسية والتاريخية عن تبعات اعادة فرض الأمن والاستقرار في المملكة باستخدام القوة..
أما المشروع فهو بحد ذاته كان يشكل خطورة فلسفية عميقة على رؤية اطراف الصراع فيما يسمى بدول الطوق حول فهم ماهية القضية المركزية ففي حين كانت ترى هذه الدول–باستثناء الاردن–وقياداتها ان فلسطين هي القضية المركزية كان وصفي رحمه االله تعالى يرى بان الاحتلال هو العدو المركزي للأمة والفرق جوهري في الماهية والاركان التي تقوم عليها كل نظرية وتبعاتها لأن الاولى كانت تمهد لحل سياسي للصراع وهو ما نشأ عنه اتفاقيات السلام كامب ديفيد وأوسلو وبالنتيجة وادي عربة ، بعد عزل عمقنا العراقي وما سيتبعها قريبا مع سوريا ولبنان كنتيجة طبيعية لتسويات المنطقة في حين ان ما كان ينظر له وصفي بأنه لابد من خوض حرب تحرير للارض وبعد احتلال الضفة الغربية كان يحمل مشروع فتح الجبهة الخامسة لطرد المحتل وتحرير الارض العربية من خلال المقاومة المسلحة واطلاق يد الشعب الفلسطيني بالمقاومة على ارضه وترابه الوطني ومن هنا فلقد كان لزاما تصفية مشروع المقاومة العربية الشعبية على ارض فلسطين لا غيرها بتصفية وصفي لما تشكله من حالة متناقضة مع مشروع السلام العربي وكان هذا الاغتيال الثاني..
الاغتيال الثالث لوصفي رحمه االله هو توظيف حدث الاغتيال ذاته باتجاهين الاول بدأ مع لحظة الاغتيال ولا زال مستمرا مع اختلاف الوتيرة حسب الحاجة والطلب فيما يسمى صراع المكونات والاصول لدينا ( أردني فلسطيني ) والثاني تزوير الشخصية والنهج في تأجيج العشائر تحديدا على النظام بمفهومه الضيق من خلال ضرب رموزه المتمثلة برأس الدولة والمؤسسات الدستورية المدنية والقيمة الجوهرية المتمثلة بالامن والاستقرار لصالح دول اقليمية معنية بنظريات المشاغلة لا الاسقاط وقد عملت على ذلك أجهزة استخبارية واعلامية من كل الاتجاهات جرى فيها فصل فكرة النظام عن فكرة الدولة والتعاطي مع النظام بمفهوم راس الدولة فقط ومن ثم القيام بالعمليات الاسقاطية والشرخية ما بين العمود الفقري وقوام الدولة ( العشائر ومؤسسة العرش ) في حين ان وصفي التل رحمه االله تعالى كان لصيقا بحالة الملك ويقرأ النظام بمفهومه الواسع ضمن نطاق الدولة وهو الذي حافظ على العرش والنظام ولم يكن يوما مناوئا لذلك..
الاغتيال الرابع للشهيد الكبير تمثل في غياب فهم مضمون وحقيقة مشروع وصفي التل على المستوى الوطني لا الاقليمي او الصراع السياسي مع الغير فاليوم ترفع صور وصفي التل.. يهتفون بحياته في المسيرات والاعتصامات.. يروون عنه رحمه االله القصص.. و.. و.. لكن لم يستطع احد حتى الآن تقديم وصفي كحالة مشروع وطني اردني مؤطر ومؤدلج بصيغته التنفيذية لا التنظيرية ( ملكية شعبية ) وبصيغة الرسالة الاردنية التي ينبثق منها هذا المشروع النهضوي الا كما اسلفنا ان يتم ( تأطير) الرجل في اتجاهات توظيفية لخدمة مشاريع الغير العابرة للحدود من منظري اليسار تحديدا علما ان وصفي لم يكن يوما يساريا بل وطنيا اردنيا صرفا قاوم كل افكار وطعطعات الحناجر السائدة باسم الثورية والاممية ودخل في صدامات طحن عظام مع
الانظمة الراعية لا بل بلغت فيه العبقرية ان وظف بعض جوانب اليسارية في خدمة المشروع الوطني الاردني بصفته الملكية مثل الاذاعة والتيار السياسي الوطني الشعبي وهيمنة الدولة على مفاصل الانتاج والتوسع في دعم قوام الدولة العسكري والامني بمفهوم الدولة العميقة لا الجزر المؤسسية المعزولة فباتت العسكرية والأمنية ثقافة شعبية لا نزال نتلمس اثرها في الاستقرار العام حتى اليوم..
وصفي اغتيل اربع مرات كمشروع وكإنسان وكتوظيف وكفهم.. ربما نستطيع ان نتعامل مع الاغتيالات الثلاثة الاولى والتخفيف من وطأتها وتفكيكها او حتى توظيفها لصالحنا في عمليات فن الممكن لكن كيف من الممكن ان نتعامل مع اغتيال الفهم الشعبي الاردني لوصفي التاريخ والجغرافيا والقرار والنظرية والاثر !!!؟؟؟ البارحة قرب الرابع كانت الحناجر تصدح بشعارات تمجيد الشهيد لكن كل ما شاهدته في الفعالية وسمعته من شعارات اخرى يتناقض تماما مع وصفي.. للحديث بقية