Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2020

“أين نقف؟” سؤال أردني حائر من صفقة القرن والحكومة صامتة: عاهل البلاد يقيّم احتمالات الشقّ الاقتصادي في الجنوب بنفسه
 “رأي اليوم” – فرح مرقه -
تغيب أي رغبة في تدارك سياسي فعلي في الأردن في التعامل مع مشهد صفقة القرن أو الخطة الأمريكية للسلام التي اطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الوقت الذي تمضي فيه الإدارة ذاتها في تكريس الوقائع على الأرض، مستغلة الرفض الفلسطيني والانقسام العربي.
تكريس الوقائع لطالما تحدث عنه مفكر كبير كعدنان أبو عودة لـ” رأي اليوم” باعتباره الأداة الأخطر بيد إسرائيل في حسم الصراع لصالحها، معتبرا ان ادامة الصراع مع التوسع في تكريس الوقائع تنتج واقعا مختلفا يضطر المجتمع الدولي للتعامل معه بكل الأحوال لاحقاً، ومنبهاً إلى ما يسميه “عامل الوقت” الذي يغير كل شيء.
في هذا السياق، ورغم أن أصواتاً هامة تحركت في الأردن محذرة من صفقة القرن من طبقة المسؤولين السابقين في رتبة رئيس وزراء ووزير وغيرهم، إلا أن من الواضح للعيان أمرين: الأول أن عمان قررت تحييد نفسها عن المشهد تماماً، وهنا يتردد صدى جملة “نقبل ما يقبله الفلسطينيون”، الأمر الذي يوحي بأن الأردن بكل الأحوال قرر الاتكاء على حقيقة ان الفلسطينيين غير قابلين بالخطة، وبالتالي أن أي رفض واعتراض اردني سيكون تأكيداً على موقفٍ مؤكدٍ سلف.
الأمر الثاني هو أن رأس الهرم في الدولة، أي الملك عبد الله الثاني، قرر تفادي الملف بشقّه السياسي، والتعامل مع جانبه الاقتصادي حتى دون تلميح أو تصريح، الأمر الذي يؤكد عليه المراقبون لجولات عاهل البلاد في الجنوب والتي يتحدث فيها عن مشاريع متعددة معظمها مما شملته الخطة الاقتصادية.
هنا لا يزال الأمر مبهما تماما، حيث لا توضيحات إذا ما كانت عمان قررت التعامل مع “النصف الممتلئ من الكأس”- وهو تعبير استخدمه ملك الأردن نفسه في مقابلته الأخيرة مع القناة الفرنسية (فرانس 24) في حديثه عن الكيفية التي ستتعامل فيها بلاده مع صفقة القرن-، أو إذا كانت الخطة الاقتصادية أوحت لعمان ذات الموارد المحدودة للغاية ببعض المشاريع التي يحتاجها جنوب البلاد والذي هو أصلا تحت مجاهر العديد من البلدان الإقليمية قبل العالمية.
عاهل الأردن ومنذ الأسبوع السابق لصفقة القرن يتجول في الجنوب ولا يزال يجوب مدناً كانت مهملة طوال السنوات الماضية ولم يكن يصلها هذا الاهتمام الملكي الكبير، كما كانت في منأى بالغالب عن المشاريع الحكومية بالضرورة.
الاهتمام اليوم يظهر استدراكاً هاماً مهما كانت أسبابه، فمدن الجنوب بأي حال كانت بوابة- وفق تحليلات كثيرة- لبدء تحركات احتجاجية ضد الحكومات المتعاقبة، كما تعلو فيها نبرة التذمر من الأوضاع الحالية وبصورة أبعد عن الاحتواء بالصور التقليدية.
هنا يبدو الملك وقد شمّر عن ساعديه، رغم انه لم يعلن حتى اللحظة إن كان ما يحاول تحسينه من أوضاع في الجنوب، هي نتيجة استدراك ذكّرت به “صفقة القرن” أم انه عمليا “ذلك النصف الممتلئ” من الكأس الذي انتظره الأردنيون. عدم الإعلان ولا الايضاح هنا يجعل الأردنيين بما فيهم المسؤولين الحاليين والسابقين في مكان لا يحسدون عليه، اذ يبررون وراء الكواليس عدم خوضهم في معارضة الصفقة بنوع من اعتبار بلادهم لا تعارض الصفقة بشراسة عمليا.
نبرة “البراغماتية” ارتفعت في الأردن وكذلك اقتناص الفرصة الاقتصادية، وهي فرصة نبّه منها رئيس الوزراء الأسبق والقوي عبد الكريم الكباريتي وهو يعتبرها “رشوة رخيصة” بينما حذّر رئيس وزراء أسبق ومخضرم كالدكتور عبد الرؤوف الروابدة إلى انها تحمل للاردن أعباء إضافية اذ معظم مشاريعها تقررها الإدارة الامريكية والإسرائيليون بينما التمويل فهو يفرض على عمان نحو 5 مليارات من القروض.
هنا مأزق حقيقي ينتظر الأردنيون ان يشرح لهم، في الوقت الذي يتحدث فيه مقربون من القصر عن رغبة ملكية في إعادة تقييم الخطة الامريكية بالشق المتعلق بالأردن ومحاولة الاستفادة القصوى منها ومما تتيحه، وعلى قاعدة “النصف الممتلئ” ذاتها.
في كل ما سبق، لا تبدو الحكومة عمليا معنية فعلا بأي موقف ومن أي نوع بخصوص الصفقة، واقتصر تحركها على الشق الدبلوماسي بجانبه الاعلامي الذي يمثله وزير الخارجية أيمن الصفدي والذي يبدو بحد ذاته “مجمّداً” وفق وصف سياسيين متابعين يرجحون انتهاء ولايته في الخارجية، رغم ذهابه لمؤتمر ميونيخ للامن ولقاءاته على هامشه.
في حالة الحكومة، تنطلق التساؤلات عن “الخوف” الذي تمارسه والقلق من تسجيل أي موقف من أي نوع، وهو ما انتقده صراحة نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور ممدوح العبادي في حوار له مع “رأي اليوم” وهو يتساءل عن أسباب “هذا الرعب الذي ينتاب المسؤولين في بلاده في مرحلة حساسة كالتي تعيشها عمان”.
العبادي بالطبع واحد من القلة الذين يستطيعون بوضوح القول ان المسؤولين اليوم “مرعوبين” لعدم محاورتهم الشارع وعدم توضيح موقف البلاد، فقد كان ولمرة نادرة في موقع صنع القرار حين اعلن ترامب ذاته القدس عاصمة لإسرائيل، وتحدث للشارع ونزل للمسيرات وقال ان القيادة تطلب التفاف الشارع حولها. في ذلك الوقت أسهم في تشكيل موقف اكثر وضوحا بالتأكيد من موقف عمان اليوم، وساهم زخم المسيرات بتغير الكثير من العوامل الإقليمية والدولية تجاه عمان.
الحكومة الحالية والتي يرأسها الدكتور عمر الرزاز تتلقى الكثير من الانتقادات في هذا الملف، فيتهمها نائب يساري كالمهندس خالد رمضان برهن البلاد وتقويض مؤسساتها بوضوح في حوار جمعه بـ”رأي اليوم”، في حين كتبت باكرا وزيرة سابقة وقريبة جدا من الشارع كخولة العرموطي ان الحكومة والبرلمان الحاليين لا يستطيعان بالضرورة حمل المرحلة والعبور بالأردن بأمان.
اتفاق كبير اليوم على ان الحكومة عمليا لا ترسم سياسات ولا حتى تسوّق السياسات المرسومة في البلاد فيما يتعلق بالصفقة الامريكية، ما يخلق شكّا كبيرا في نفوس الشارع الأردني الذي يتساءل اليوم “أين نقف”، الامر الذي يبدو ان المشهد الاقتصادي المتردي لا يخدمه كثيرا، إذ حتى تسويق الحكومة على انها فاعلة في المجال الاقتصادي لا يلمسه الأردنيون، ولا يبدو ان المؤسسات الدولية تلمسه واحد تقارير الأمم المتحدة يتحدث عن نسبة 14% للفقر في البلاد، أي ان ربع سكان البلاد فقراء، وهي نسبة يصعب الاستدراك فيها.
بكل الأحوال، من الواضح حتى من زخم المسيرات الملتبس ضد صفقة القرن ان الشارع لا يعرف بوضوح اين تقف بلاده من الصفقة، كما من الواضح أيضا ان حالة الإحباط الاقتصادية قد تكون طغت على القضايا الرئيسية. الإشكال الحقيقي هنا أن سحب القضية الفلسطينية عن سلم أولويات الشارع الأردني قد يعني بالضرورة التفاته لقضايا داخلية بصورة اكبر واشد غضبا، وهنا قد تبدأ المؤشرات لأزمات لاحقة، وفق تحليلات المراقبين.