Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Oct-2018

حقيقة الإيمان وتأثيرها على الواقع المعاصر - معتز السرطاوي

 الراي - لابد أن كل ديانة مرت عبر التاريخ ،حاولت جاهدة صياغة قانون إيمان يلبي مصالح رعاياها ويجعلهم يتقربون من إلههم.

وإذ أننا في مجتمع لا يملك ذلك التنوع الديني ، إذ أن جل تنوعنا ينحصر في ديانات التوحيد الثلاث ( اليهودية والمسيحية والإسلام) فلا بد إذا من الوقوف على عقائد هذه الديانات في نظرتها للإيمان والعلاقة مع االله، وما لهذه النظرة من تأثير في الوعي والثقافة في الواقع المعيش لأتباع تلك الديانات.
بدأت الديانة اليهودية حكاية الإيمان مع يعقوب عليه السلام الذي كان ايمانه امتدادا لإيمان جده ابراهيم عليه السلام الذي كان على الديانة الحنيفية ، وبعد تضاؤل إيمان بني إسرائيل أرسل االله لهم موسى عليه السلام بالألواح التي تلقاها من ربه على طور سيناء، وكانت تحمل كما أخبر القرآن ( هدى للناس)، ولكن، ولأن الديانة اليهودية موغلة في القدم فقد طرأ عليها بعض التحريف المتعمد أو غير المتعمد، جعل من الديانة اليهودية ديانة قومية للشعب اليهودي فقط وإلههم لهم فقط وليس لأحد غيرهم أن يشاركهم فيه، وهو يعاقبهم على ما يقترفونه بحق بعضهم البعض ولا يحاسبهم إن أساؤوا لأحد خارج ديانتهم الذين يسمونهم ( الغويم أو الأغيار)، وربما كان ذلك بتأثير الإضطهاد الذي عاناه الشعب اليهودي عبر تاريخه القديم الحديث بداية من السبي البابلي على يد نبوخذ نصر إلى الهلوكوست، ما جعله مغلقا على اتباعه ولا يسمح لأحد بالدخول فيه، بل ويجعل من الشعب اليهودي مكرما ومفضلا على باقي شعوب الأرض، وهذه النظرة التي ينظر بها اليهود للإيمان تجعل من الدين اليهودي قاصرا عن مجاراة التقدم الذي تشهده الحضارة الإنسانية، لذلك بدأت دعوات في الأوساط اليهودية تنادي بالعلمانية.
وأما المسيحية فبعد قرون من التصارع والتنازع، وبعد أن لاقى أتباع الكنيسة المرار بسبب اختلاف الكنائس في حقيقة المسيح، فالنسطورية تقول بنبوته والأرثدوكسية تنادي بالثالوث المقدس، وصلت الكنيسة اليوم لحالة من شبه الإستقرار والنضج،إذ أنها أدركت أن الإهتمام بالأتباع ورعايا الدين هو جوهر الديانة وأصل الإيمان، فركزت اهتمامها على إيصال المسيحيين إلى اليسوع عليه السلام من دون ان تفرض عليهم قيودا تمنعهم من المضي في طريق الإيمان، وهذا الجوهر الذي وصلوا إليه هو حقيقة الإيمان القويم.
ورغم أن للإسلام انتقادات على ذلك، إلا ان المسلمين يجب أن يتعلموا من التجربة المسيحية، للتخلص من العوالق والعوائق التي اعترت الدين الإسلامي عبر تاريخه. والإسلام كذلك نال نصيبه من النزاع والفرقة، شأنه شأن باقي الديانات،فإذا اعتبرنا اليهودية قد تأثرت بالاضطهاد المستمر لأتباعها حتى أغلقوا دينهم على انفسهم، والمسيحية تأثرت بقضية حقيقة المسيح وبعض القضايا العقائدية والسياسية الأخرى التي طرأت على تاريخ الدين المسيحي، فالدين الإسلامي كذلك كانت بداية النزاع فيه مسألة مفصلية في أركانه، وهي مسألة الخلافة والنزاع على السلطة.
فمنذ وفاة رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام ظهر مفهوم جديد على الساحة لم يكن معروفا من ذي قبل، وهو مفهوم الخلافة، وكان هذا المصطلح في بدايته مفهوما بسيطا وديعا لا يوحي بأنه سيتسبب بالفرقة والاقتتال اللاحق بعدها، وقد بدأت بوادر تأثير هذا المصطلح(الخلافة) ليس فقط لأنه كان أولى أسباب الاقتتال بين صحابة رسول االله وانتهاء حكم الخلفاء الراشدين بملك عضوض ترأسه معاوية بن أبي سفيان وذريته من بعده، وإنما تجلى تأثيره عند محاولة وضع تعريف له، إذ اعتبر المتخصصون بأن تعريف الخلافة هو (سياسة الدنيا و إقامة الدين).
وهذا الخلط الرهيب بين السياسة والدين ولّد اضطرابا لدى الخلفاء والحكام، إذ أن السياسة بما تحمل من مكر ودهاء وكذب، لا تتناسب والدين الذي يدعو للسلام والحب والرحمة والعدل والتسامح وكل القيم الإنسانية النبيلة.
هذا الاضطراب جعل بعض الخلفاء يتخلون عن الشق الآخر من تعريف الخلافة وهو إقامة الدين، ويوكلونه إلى شخص يثقون في ولائه وانتمائه لهم ليلقبوه (بشيخ الاسلام)(وإمام الأمة) (وكبير القضاة) إلى غيرها من المسميات , ولأن تأثير الحكام والولاة على رجال الدين كان كبيرا، جعل هذا الأمر الدين يظهر بمظهر سياسي مليء بالأحكام والأوامر والنواهي والقوانين والتشريعات وغيرها من القيود والحدود والعقوبات المانعات، وشيئا فشيئا فقد الدين أصله وجوهره وهو (الرباط الروحي الذي يصل الانسان بخالقه)، وكل من حاول من العلماء رفع هذه الراية أو حاول جعل الدين علاقة بين العبد وربه فقط وليس للحاكم شأن بها، كان يعذب أو ينفى كالحلاج والعز بن عبد السلام وغيرهم.
ولا يزال المسلمون اليوم بعيدين عن هذه الحقيقة،فإذا كان السبب سابقا هو سطوة الحكام وتأثيرهم على مفهوم التدين، فالسبب في عصرنا الحاضر كما أراه هو سطوة الأحزاب المسماة بالإسلامية والتي تجعل من أتباعها يدورون في فلكها لتحقيق مصالحها، حتى انهم يجعلون العلاقة مع االله مرتبطة بمقدار ولاء الأتباع لهم ، فمن يرضى عنه إمام الجماعة وأميرها فذلك المقبول عند االله، وما ينطق به زعيم الجماعة هو الدين القويم الذي لا يقبل المناقشة ومن يخالفه يعتبر خارجا من الملة، حتى وإن لم يظهروا عداءه فلن يظهروا ولاء أو احتراما لرأيه.
هذا التشويه لحقيقة الإيمان لازال المسلمون بعيدين عن ادراكه رغم ان هنالك محاولات فردية لفك الناس من رباط العبودية للجماعة والاتجاه الى االله وحده بالعبادة، إلا أن تلك المحاولات تبقى غير كافية في ظل السطوة الكبرى والقوة العظمى التي تحظى بها الجماعات المسماة بالاسلامية في نفوس جماهير مؤيديها.
وأخيرا أقول: إن ادراك حقيقة الإيمان يحقق التوازن بين أفراد المجتمع،مما يجعل الأفراد مدركين لضرورة قيامهم بمهمة الخلافة -بمعنى عمارة الارض- بأنفسهم، لأنهم أدرى بما يصلح حالهم ، ويجعلهم منتمين إلى وطن أكثر من انتمائهم لأحزاب وجماعات ليس لها هدف سوى زيادة نفوذ ونقود زعمائها على حساب الأتباع المؤمنين بالمبادئ الوهمية التي تقوم عليها تلك الأحزاب وإن هذا الإدراك يقودنا أيضا إلى فكرة تقبل الاختلاف والتنوع الديني والمذهبي والسياسي في المجتمع الواحد، ويخرج بأبناء المجتمع من الانغلاق إلى الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى مما يساهم في تعميق السلم الإجتماعي.
motaz.sarta@gmail.com