Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Oct-2018

عن صناعة مجال حيوي أردني جديد - رومان حداد

 الراي - استطاعت السنوات السبع الماضية أن تجعل الأردن من أكثر المتضررين مما حدث في المنطقة، فما نتج عما سُمي جزافاً بـ(الربيع العربي) يمكن تلخيصه ببساطة أن الأردن بقي وحيداً بعد تدمير مجاله الحيوي، فبعد سبع سنوات من (الربيع العربي) تحول المجال الحيوي الأردني إلى مجموعة من الدول المعطوبة، فالأردن تاريخياً كان جزءاً من منظومة بلاد الشام والعراق، أو كما يحب القوميون أن يطلقوا على المنطقة اسم الهلال الخصيب. هذا الهلال الخصيب فقد خصوبته، ولم تعد دولة قادرة على الوقوف، فحالة العطب أصابت منه مقتلاً، فالدولة في العراق معطوبة، أي غير قادرة على فعل أي شيء لإيقاف نزفها أو تقسيمها، والدولة في سوريا اضمحلت وهي ليست قادرة على السيطرة على حدودها، حيث يعتقد الروس أن الجيش السوري لن يكون قادراً على السيطرة على الحدود قبل خمسة عشر عاماً، ولبنان تظهر وكأنها دولة اللادولة، فهناك إشكالية دائمة باختيار رئيس منتخب، أو رئيس حكومة قادر على تشكيل الحكومة خلال فترة معقولة، والحال أسوأ إذا ما قطعنا نهر الأردن، فالدولة الفلسطينية، أو السلطة، أو الحالة الفلسطينية لا تنبئ عن خير بل تنذر بما هو أسوأ، ربما انتفاضة قادمة تعيد بعثرة الأوراق دون أن يكون لدى أحد قراءة واضحة لما يجري.

في ظل ما يحدث يبدو الأردن كـ(مُسنن) وحيد يعمل في آلة ضخمة معطوبة، وهو ما يثير القلق والمخاوف لإدراك الجميع أن هذا المسنن لن يكون قادراً على تحريك الآلة، ولن يطول به الزمن ويصيبه العطب.
والحل يكمن في نقل المسنن إلى آلة أخرى عاملة وفاعلة، وهو ما يعني ضرورة التفكير جدياً على المستويات العليا في إيجاد مجال حيوي جديد للأردن كي يكون قادراً على الإنتاج والنمو، وتحقيق الوعود الكثيرة التي يطلقها المسؤولون.
البحث عن مجال حيوي جديد بات ضرورة ملحة، ولكنه يتطلب بحثاً من نوع مختلف، وهو بعيد عن فكرة الترابط الحدودي والمناطقي، فالجغرافيا السياسية التقليدية دفعت إلى تشكيل مجالات حيوية مرتبطة جغرافياً، ولكن التطور في أدوات الاتصال والتواصل يمكن أن يخلق حالة جديدة ضمن مفهوم المجال الحيوي، حيث يمكن إيجاد تحالفات تقوم على قواسم مشتركة سياسية واقتصادية، بحيث تتطور لتصبح الدول المكونة لهذه التحالفات مجالاً حيوياً جديداً للأردن.
ما تقوم به دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) يتجاوز مفهوم التحالف الاقتصادي، ويتجاوز مفهوم التحالف السياسي، إنه محاولة حقيقية لخلق مجالات حيوية فعالة بين دول لا تتشارك بالحدود، ومن قارات مختلفة، وهو ما يمكن اعتباره فتحاً جديداً في مفهوم المجال الحيوي للدول.
كسر الأردن لمفهوم النطاق الجغرافي اللصيق في مفهوم المجال الحيوي سيساعده على بناء منظومة تساعده كي لا يبقى واقفاً على خيط رفيع في علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية، وستعطيه قيمة مضافة في علاقاته مع الدول الكبرى الأخرى.
وما يميز هذه الحالة (صناعة المجال الحيوي)، أنها تبني هذا المجال ليس على أساس الاضطرار الجغرافي، بل يمكن بناؤه على أساس القيم والمصالح المشتركة، وهو ما يعطي هذا المجال الحيوي طابعاً مختلفاً، قد يكون من الصعب تشكيله في البداية، ولكن من مميزاته أنه مستقر وأكثر ثباتاً من المجال الحيوي الجغرافي.
تُعرف السياسة وفق بعض المنطلقات أنها (فن الممكن) ولكن يمكن تعريف السياسة ايضاً أنها (ابنة الضرورة)، وقد بات من الضروري أن نعترف في الأردن أن المجال الحيوي التقليدي الذي اعتدناه لعقود قد سقط عبر تحويل دول السوار الأردني إلى دول معطوبة، والتوجه جنوباً نحو منظومة دول الخليج العربي ليس من ضمن الخيارات المتاحة حقيقة، وربما ليس من الخيارات المنطقية أيضاً.
وقد يكون من حظ الأردن العاثر جغرافياً أنه دولة غير متوسطية وغير خليجية، وهو ما يرتب عليه البحث عن حلول غير تقليدية لإيجاد مجال حيوي جديد قادر على استدامته وتعويض أضراره من (العطب) الذي أصاب مجاله الحيوي التقليدي.
roumanhaddad@gmail.com