Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-May-2018

الوقت لتسوية مع قطاع غزة ككيان منتظم وملجوم - كوبي ميخائيل

 

INSS
 
الغد- منذ نهاية آذار 2018 تجري على طول حدود قطاع غزة معركة، صممت حماس منطقها، وهي التي سيطرت على مشروع مدني أصبح بالنسبة للمنظمة مسار فرار من الضائقة الاستراتيجية التي علقت فيها. ففكرة "مسيرة العودة" التي بادرت اليها منظمات أهلية في القطاع سعت إلى اعادة تركيز اهتمام الأسرة الدولية على أزمة سكان المنطقة من خلال مظاهرات جماهيرية على طول الجدار، "اختطفتها" حماس. دحرت حماس منظمي المبادرة وقادت تنظيم الأحداث وادارتها عمليا.
لقد علقت حماس في الازمة لأربعة أسباب اساسية: فشل مسيرة المصالحة مع فتح، التي استؤنفت بعد اعتراف حماس بفشلها في إدارة المجال المدني في القطاع والاعراب عن الاستعداد من جهتها لنقل الصلاحيات ذات الصلة إلى السلطة الفلسطينية؛ الواقع الإنساني الصعب في قطاع غزة والاحباط المتعاظم للسكان جراء ذلك؛ تآكل كبير في منظومة الذخائر العسكرية الاستراتيجية بسبب وسائل الدفاع والتعطيل التي طورتها إسرائيل؛ وفي الخلفية عدم الرغبة والاستعداد للدخول في مواجهة عسكرية واسعة أخرى مع الجيش الإسرائيلي.
وبالفعل، فإن المعركة على طول جدار الحدود تخدم عدة أهداف استراتيجية لحماس، وعلى رأسها صرف الاحباط المتعاظم في اوساط سكان القطاع بعيدا عنها، باتجاه إسرائيل، تجسيد التزامها بالكفاح ضد إسرائيل، بالضرورة على حساب صورة ومكانة السلطة الفلسطينية، وذلك في ظل إعادة تركيز الاهتمام الدولي على قطاع غزة، تعظيم رواية الضحية الفلسطينية ونزع الشرعية عن إسرائيل.
إن فشل مسيرة المصالحة بين فتح وحماس يؤكد فرضية تتعلق بفرص هزيلة للغاية لإعادة السلطة الفلسطينية إلى السيطرة المدنية في القطاع. وفي الواقع يوجد كيانان فلسطينيان منفصلان، معاديان الواحد للآخر، ويكافحان ضد إسرائيل: حماس كمتصدرة الكفاح المسلح، وفي المعركة الحالية أيضا في تداخل مع الكفاح الشعبي، وبالمقابل السلطة الفلسطينية كمتصدرة الكفاح الشعبي والكفاح السياسي في الساحة الدولية.
غير أنه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ترسخت علاقات تنسيق وتعاون أمني واقتصادي، فيما أن لجزء من مواطني ذاك الكيان، يتاح العمل في إسرائيل وكذا في المناطق الصناعية في المستوطنات الإسرائيلية، التي في اراضي الضفة الغربية. مستوى المعيشة في هذه المنطقة أعلى بقدر كبير من مستوى معيشة سكان قطاع غزة، وحرية الحركة لديهم اوسع بكثير هي الاخرى.
إن المعركة الحالية على طول جدار القطاع يذكر بان قطاع غزة، في الظروف القائمة وعلى رأسها الانقسام في الساحة الفلسطينية والأزمة الإنسانية والمتعلقة بالبنية التحتية الخطيرة في المنطقة، ستبقى تحديا استراتيجيا لإسرائيل حتى بعد أن تنتهي المرحلة الحالية. ولكن الموقف الإسرائيلي الحالي بالنسبة لحماس وقطاع غزة يثبت هذا الوضع وبالتالي فإنه يغذي أيضا شروط الخلفية للتصعيد الامني.
على أساس الافتراض أن حماس ستبقى الجهة السيادية في قطاع غزة، والافتراض أنه ليس في نية إسرائيل العمل على حلها واستبدالها بقيادة اخرى، أو حكم القطاع، ينبغي فحص امكانية التسليم بتواجد كيان معاد آخر على حدود إسرائيل وتصميم استراتيجية لتسوية العلاقات معه، بما في ذلك من خلال تفاهمات أمنية بل وبقدر من التنسيق الأمني المحدود بحيث ينشأ احتمال لهدنة طويلة في العنف وهدوء على طول الحدود ومحيطها.
إسرائيل، بمساعدة مصر وبمشاركة الأسرة الدولية، يمكنها أن تطور آليات تسوية وتصرف مع حماس، حتى دون اعتراف متبادل، وليس من خلال الاتصال المباشر. ويفترض بآليات هذه التسوية أن تسمح برد ناجع، وسريع أكثر من ذاك القائم اليوم على الأزمات الإنسانية في اراضي القطاع، لجم حماس عن محاولة المس بإسرائيل بل وتحسين قدرتها على الحكم المدني في قطاع غزة. إذ لا تضارب اضطراري بين كون قطاع غزة كيانا معاديا تجاه إسرائيل، وبين القدرة على تطوير وتفعيل آليات التسوية واللجم تجاهه.
شرط ذلك هو هجر المعادلة التي تثبتت بين إسرائيل وحماس منذ سيطرت على قطاع غزة في حزيران 2007، وبموجبها فإن السلطة الفلسطينية هي العنوان الرسمي الوحيد للحوار مع إسرائيل. ينبغي التسليم بحقيقة وجود كيانين فلسطينيين مميزين، والسعي إلى تثبيت واقع من التسوية، يكون أقل من التسوية الدائمة، في ظل القطيعة الفكرية والعملية بين السياسة تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين سياسة منفصلة ينبغي اعدادها وتطويرها تجاه قطاع غزة. والاستراتيجية المقترحة هي بالتالي السعي إلى تسوية مع حماس، بالضرورة من خلال تعزيزها وامكانية أن يكون بذلك ما يضعف مكانة السلطة الفلسطينية، وهي نتيجة تحقيق التسوية على اساس مبدأ الهدنة طويلة المدى مع حماس.
في الاشهر الأخيرة، نقل الناطقون بلسان حماس رسائل بشأن استعدادهم للوصول مع إسرائيل إلى اتفاق هدنة بعيد المدى. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها رسال بهذه الروح، ولكن الفكرة لم تتجسد بسبب الاشتراطات التي وضعتها حماس لتحقيقها وعدم استعداد إسرائيلي لفحص الإمكانيات في هذا الاتجاه، والتي معناها بالضرورة اعتراف وشرعية، حتى وإن كان بشكل غير مباشر، بحماس وبسيطرتها في القطاع. هذه المرة أيضا، فإن مسيرة يمكن أن تؤدي إلى توافق على وقف نار بين إسرائيل وحماس، بشكل معلن أو مبطن، ستكون مركبة، ولكن في ضوء ضائقة حماس، وانعدام الجدوى الذي يعيشه سكان القطاع (وهو بحد ذاته يشكل تهديدا على حكم حماس وخطرا بواقع فوضوي كنتيجة لاهتزازه أو سقوطه). يمكن أن نرى في الاستعداد المبدئي للهدنة (وان كانت تواجه معارضة بصفوف حماس وقيادتها أيضا) اساسا لاحتمال أعلى لتحقيق الفكرة.
من أجل الدفع إلى الأمام بهذه الفكرة، سيتعين على إسرائيل أن تلطف حدة تحفظات الأسرة الدولية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، بشأن معانيها سواء بالنسبة لحماس أم بالنسبة للسلطة الفلسطينية. ولكن يجدر بالذكر ان السلطة الفلسطينية على أي حال ليست موجودة ولا تسيطر في القطاع، ولا يوجد اليوم احتمال حقيقي لتغيير هذا الوضع، وبالتالي، فإن كل التصاق باشتراط تحويل التبرعات إلى قطاع غزة فقط عبر السلطة الفلسطينية وعودتها إلى السيطرة في القطاع، يساعد عمليا في تخليد الواقع الاشكالي في غزة وفي نفس الوقت، ضمن أمور اخرى لان المسيرة السياسية ما تزال في طريق مسدود، لا يعزز السلطة الفلسطينية.
في المرحلة الأولى من مسيرة التسوية يجب تفعيل آلية يقودها ممثلو المحافل المشاركة وحماس تراقب الاستخدام لأموال التبرعات وتمنع امكانية سوء استخدامها. ينبغي النظر في امكانية النقل إلى قطاع غزة عبر هذه الآلية لجزء نسبي من اموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لقاء البضائع والخدمات. ولاحقا، وتبعا لالتزام حماس بشروط التوافقات، سينظر في امكانية توسيع صلاحياتها في إدارة أموال التبرعات.
هكذا سيتعين على إسرائيل أن تجند مصر كشريك مركزي في الخطوة مع حماس. وينبغي لمساهمة مصر أن تجد تعبيرها في التشغيل المنتظم لمعبر رفح، في جلب حماس إلى الخطوة ولجمها. وبالتوازي يجب إعداد الشروط لنقل أموال المساعدة لاعادة بناء البنى التحتية الحيوية وتحفيز الاقتصاد، ضمن أمور اخرى من خلال اقامة مناطق صناعية على حدود القطاع، يمكن منها الدفع إلى الأمام والتفعيل لمشاريع صناعية مشتركة توفر اماكن عمل. يمكن لإسرائيل أن تساعد في خلق الظروف لتطبيع حياة السكان في المنطقة إذا ما نظرت في نهج مرن ومسهل أكثر بشأن استيراد البضائع إلى القطاع والتصدير منه، وزيادة عدد تصاريح الدخول إلى إسرائيل للتجار، وكذا للعمال ولمحتاجي العلاج الطبي.
لقد راكمت إسرائيل تجربة حتى الآن، في تصميم آليات التسوية مع حماس (مبادئ المجال الأمني التي وضعت بوساطة مصرية بعد حملة "عمود السحاب")، ولهذا فلا يجري الحديث عن سابقة. ومع ذلك، يمكن لإسرائيل هذه المرة أن تعيد تصميم سياستها بشأن قطاع غزة بنية استخدام ضعف حماس في هذا الوقت واستعدادها للهدنة، التي يلوح في اوساط الجهات المؤثرة في قيادتها وعلى رأسهم زعيم حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار. صحيح أن حماس من غير المتوقع ان تحل الذراع العسكري حتى في اطار اتفاق هدنة، ولكن يوجد اساس للافتراض أنه يمكن الوصول إلى توافقات حول وقف التعاظم العسكري، ومحاولات تطوير وسائل هجومية ضد إسرائيل على المستويات التحت ارضية، البحرية والجوية.
وبالتوازي ولتقليص تأثير السياسة الحديثة تجاه حماس على مكانة السلطة الفلسطينية، سيتعين على إسرائيل أن تعرض سياسة للتصرف تجاه السلطة الفلسطينية. في هذه الساحة تحتاج السياسة الإسرائيلية للاستناد إلى ثلاثة أقانيم اساسية: 1. حفظ القدرة على الرد الأمني في الضفة الغربية. 2. السعي إلى تحسين الواقع الاقتصادي والبنية التحتية في الضفة، بما في ذلك خلق تواصل جغرافي، والموافقة على بناء بنى تحتية فلسطينية في المناطق ج المحاذية لمناطق أ. 3. التعهد بعدم توسيع المستوطنات خارج الكتل.
إسرائيل قادرة على أن تحتوي كيانا معاديا إلى جانبها، على أن يكون ملجوما، مردوعا ويؤدي مهامه. إلى هذا الهدف يمكن الوصول فقط بعد الاعتراف بالحاجة إلى تطوير استراتيجية مختلفة تجاه قطاع غزة وتجاه الضفة الغربية، استنفاد كل امكانية لاستغلال ضعف حماس في هذا الوقت واستخدام استعداد حماس لهدنة بعيدة المدى. الاستراتيجية المقترحة تقوم أيضا على اساس الفهم بان السلطة الفلسطينية لن تعود للسيطرة في القطاع في المدى المنظور، والجهاد يجب استثماره في تثبيت حكمها وسيطرتها في الضفة الغربية وتحسين شروط المعيشة، حرية الحركة والاقتصاد هناك، في ظل حفظ الشروط لحل الدولتين القوميتين في المستقبل، حين تنضج الظروف لذلك.
 
*معهد أبحاث الأمن القومي