Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Oct-2017

المربع الاخضر - سليمان ايوب قونة

 

الراي - لو تخيّلنا خريطة الاردن كرقعة شطرنج مقسمة الى مئة مربع داكنة اللون بينها مربع واحد فقط مشع بلون أخضر فسنكون امام صورة غير مفرحة لحجم الارض المخضرة في الاردن!

بعلمنا ونتيجة لبعض تصرفاتنا وقراراتنا المتسرعة يتعرض هذا الربع اليتيم الى التقلص والاضمحلال. واذا لم نبطئ هذا السيناريو أو نوقفه فاننا كقطر سننضم جغرافيا وبيئيا وفي وقت قريب لأحضان الصحراء الواسعة الممتدة، شرقا وجنوبا، بيننا وبين العراق والسعودية. في حين ان المطلوب وبالحاح شديد المحافظة على هذه الرئة الخضراء وتغذيتها وتوسعتها ، خاصة ان الكرة الارضية تتعرض لموجة ارتفاع حرارة غير مسبوقة منذ ان وجد هذا الكون.
 
قبل ايام شاركت في رحلة ميدانية نظمتها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة الى محمية دبين تحت عنوان « حياة الغابة» ، وهي أهم وأكبر المحميات التسع في الاردن ، الى جانب رهط كبير من أصدقاء البيئة النظيفة وعشاق رياضة المشي تفاوتت بينهم الاعمار وربما الاذواق والأمزجة وأشياء أخرى. لكنهم اجتمعوا وتوافقوا ، على ما يبدو ، على الاهتمام بالطبيعة والبيئة النظيفة.
 
أثناء هذه الجولة قيلت لنا اشياء نسمعها لأول مرة عن هذه المحمية التي تشكل أكبر منطقة خضراء ممتدة جغرافيا وذات كثافة عالية مما جعلنا نسميها بالغابة أو «الاحراش».
في نهاية الجولة جلسنا في القاعة الكبيرة مع المنظمين على وجبة « مجدّرة» محلية وطيبة ، لكن بدون بصل مقلي على وجهها ، نقّيم الزيارة!
 
الصورة الافتراضية الجميلة التي عاشت في مخيلتي قبل الرحلة عن هذه المحمية تعرضت أثناء الجولة لصدمة كبيرة ، اذ انتكست وقلبت على وجهها معفرة بالغبار ، تتقاذفها فضلات المتنزهين والزوار وبقاياهم المتراكمة من زجاجات بلاستيكية وعلب مشروبات غازية وأكياس الشبس وبقايا الهش والنش في أكوام كأنها جمعت عمدا بين الصخور وحول الاشجار المحدودبة اغصانها وكأنها تذرف الدموع على مصيرها ، يراها عابرو السبيل ولسان حالهم يتساءل اي نوع من المتنزهين يمكن ان يفعل هذا؟
 
على جانبي الشارع الاسفلتي الواصل بين طرفي المحمية ايضا انتشرت حاويات للنفايات وحالها لا يبعث على أي ابتهاج أيضا. فهي اما محطمة أو على وشك التفكك ، أو تظهر عليها اثار حرائق مفتعلة أو كلاهما اي التخريب والحريق. وفي معظمها تكدست أكياس نفايات تنتظر من يرفعها في ذلك القيظ الشديد لمكان اخر ، لكنها على ما يبدو ستلقى مصير الاكياس السابقة التي أحرقت في مكانها ، اما لعدم امكانية نقلها توفيرا للجهد والوقت ، واما رغبة في « تبخير» أغصان الشجر الحزينة المطلة من فوقها بالأدخنة السامة للحياة العضوية لتلك الاشجار البائسة! 
 
اضافة لهذه التجاوزات والتعديات على هبة الطبيعة فقد ذكّرنا أحد المشرفين على الرحلة ان من الاسباب البشرية للحال الذي وصلت اليه هذه المحمية ، التي لا تحظى كما شاهدنا بأم أعيننا بحماية كافية أو مقبولة ، ان مسألة اقامة مشروع تجاري استثماري كبير وتداعياته في قلب المربع الاخضر اليتيم على خارطة الاردن الرمادية الواسعة ما تزال معلقة ، مضيفا بأن ادارة شؤون المحمية تخضع حصريا لسلطة وزارة الزراعة !