Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2020

الوجوه الكثيرة لبنيامين نتنياهو

 الغد-داليا شيندلين* – (مجلة 972+) 22/12/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
كان نتنياهو ناجحا للغاية، فقط لأنه يعكس ويمثل الوجوه الكثيرة لإسرائيل: المنتصر والضحية؛ المواطن العالمي والمنبوذ الدولي؛ المهووس بإشعال الحرب وكاره الحرب.
 
* *
أثناء كتابة روايته “جيم المحظوظ” Lucky Jim في العام 1953، تشاور كينغسلي أميس مع أفضل صديق له والمصدر الذي ألهمة الشخصية الرئيسية في الرواية، جيم ديكسون. وكتب أميس: “كم من وجوه ديكسون تعتقد أنه يجب أن يكون في القصة؟ أقصد: الكثير، 10 أو نحو ذلك، أم 3 أو 4 فقط؟”. وليس الرد موجوداً، لكن كيث غيسن كتب في مقدمته للعام 2012، أن هذه الوجوه “يجب أن تكون كثيرة”، وهو يسرد بعضاً من مظاهر ديكسون: “لقطة الوجه الخلفي”؛ “وجه القناع المأساوي”؛ “وجه الفلاح المجنون”.
تذكرت هذه الحكاية بينما أفكر في كيفية تلخيص إرث بنيامين نتنياهو بعد أكثر من 13 عاماً تراكمية قضاها في السلطة. وكنتُ قد كتبت العديد من مقالات التحليل السياسي عنه، ومقالاً تحليلياً وصفياً عن الإرث الذي تخلفه سياسته على الصراع، والاقتصاد والمجتمع، وفككت سياسته الخارجية. وقام أشخاص آخرون بتوثيق حياته في سيرة ذاتية وفيلم وثائقي. ولكن، ما هو نتنياهو بالضبط؟ الملك “بيبي”؛ “بيبي” الشعبوي؛ المواطن العالمي أم المنبوذ الدولي؟ هل هو رجل مهوّس بإشعال الحرائق أم كاره للحرب؛ هل هو فاسد أم نظيف، منتصر أم ضحية؟
مثل إسرائيل نفسها، يمثل “بيبي” هذه الأشياء كلّها. ولا شك في أنني لا أستطيع أن أعرف ما يدور في رأسه بالضبط، ولكن، بدا لي كطبيب نفسي في المجال العام أن معظم وجوه “بيبي” تنطوي على بعض التشابه مع الدولة والمجتمع الإسرائيليين. وبالمثل، بدأت العديد من سياساته قبل فترة طويلة من عودته إلى السلطة، وسوف تستمر لفترة طويلة بعد رحيله عنها. ولن يساعد عدم الاعتراف بذلك معارضيه. لقد كان نتنياهو ناجحا للغاية لأنه يعكس ويمثل الكثير من وجوه إسرائيل.
خذ مثلاً وجه “نحن مقابل العالم” الذي يتقمصه. في تلك اللحظات التي يرتدي فيها هذا الوجه، يرفع ذقنه عالياً في المؤتمرات الصحفية ويواجه عواصف النقد العالمي. في حادثة “مافي مرمرة” في العام 2010، داهمت إسرائيل قاربا يحاول كسر الحصار على غزة، وأسفر الهجوم عن مقتل 10 مواطنين أتراك في أعالي البحار. وفي رده على صرخة الاحتجاج العالمية الهائلة آنذاك، تحدث نتنياهو إلى الصحافة الإسرائيلية بالعبرية، وانتقد “هجوم النفاق الدولي”، محوِّلاً بذلك الحادث إلى هجوم على إسرائيل. وقد استرخى الإسرائيليون مع دورهم الأكثر جلباً للراحة: “نحن مقابل العالم”، حيث يستخدم العالم كلَّ سلاح متاح، حتى “النفاق العالمي”، لإلحاق الأذى بأمتنا المسكينة.
تمكن رؤية انعكاس الدور نفسه في كل انتقاد دولي للسياسة الإسرائيلية منذ العام 1955 على الأقل، عندما رفض رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون الإدانة الدولية المفترضة إذا قامت إسرائيل باحتلال قطاع غزة. ويستمر هذا الموقف حتى اليوم، عندما تستجيب وسائل الإعلام التي تصدر باللغة العبرية في إسرائيل، باستثناء صحيفة “هآرتس”، إلى إمكانية إجراء تحقيق من المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، بنشر عناوين إخبارية عريضة من الجدار إلى الجدار عن النفاق العالمي ومعاداة السامية. إنها لا تحتاج في هذا إلى مساعدة نتنياهو.
“نحن” و”هم” هي الطريقة الفعالة لتعزيز الدعم في الداخل في مواجهة عدو خارجي. أما ابن العم المقرب فهو وجه الضحية الذي يرتديه نتنياهو لاستحضار العدو “الداخلي”. وتكمن القوة العظمى للشعبوي في قدرته على أن يجعل نفسه يبدو متماهياً مع وضع الضحية الذي يعيشه السكان المهمشون في البلاد. وهذا يساعد في تفسير المفارقة الشعبوية حين يأتي زعيم ثري بشكل خرافي ليقف مدافعاً عن المضطهدين والفقراء.
كما قلت آنفاً، تنطوي أكثر روايات نتنياهو عن الضحية ضراوة على عرض نفسه على أنه مضطهد من الدولة بسبب تمثيله المصالح الحقيقية (اليمينية) للشعب. وبـ”وجه الضحية” هذا، يروق “بيبي” لأكثر سكان إسرائيل حرماناً من الامتيازات، حيث يمزج المظالم الحقيقية والمتصورة، والتهميش السياسي والاجتماعي-الاقتصادي، وبالمزيد من المفارقة أيضاً في ضوء ديموغرافيا نتنياهو الإشكنازية النخبوية، بينما يمثل التغريب الثقافي والطبقي للمزراحي. وهكذا يتشبثون به لقهر أعدائهم، ليس فقط في الخارج، وإنما في الداخل أيضاً. إن انتصاره هو انتصارهم.
وثمة ذلك الوجه الكذوب الخالي من الخجل. وقد استخدم نتنياهو هذا الوجه بالعديد من الطرق. وهو شكل مخادع مصطنع من أشكال الكذب، والذي غالبًا ما يبدأ بذرة من الحقيقة التي يتم تحميلها بالكثير من الرسائل الزائفة لخدمة روايته السياسية. وقد ارتدى هذا الوجه عندما أكد أن المفتي العام لفلسطين زرع فكرة الإبادة الجماعية في رأس هتلر، ملقياً باللائمة –بالصلة- على الشعب الفلسطيني في التسبب بالهولوكوست.
ويروي الإسرائيليون أنفسهم قصصاً بعيدة عن الواقع هم أيضاً، مع وجود حقيقة صغيرة في النواة فقط. وتطلق إسرائيل على نفسها وصف ديمقراطية نابضة بالحياة، على الرغم من أنها أبقت طوال تاريخها تقريباً على جزء من رعاياها -المواطنين الفلسطينيين فيها أو الفلسطينيين في الأراضي المحتلة- تحت حكم نظام عسكري غير ديمقراطي. وعلى الرغم من أن الاحتلال يزداد عمقًا مع كل عقد يمر، فإن العديد من الإسرائيليين يقولون لأنفسهم إنه غير موجود على الإطلاق. ولا يعدو إلقاء اللوم على الفلسطينيين في الإبادة الجماعية لليهود كونه مجرد قفزة منطقية من هذا النوع، والتي يجد هؤلاء الإسرائيليون أنفسهم في وضع مناسب تمامًا لتصديقها.
ثمة أيضاً امتداد خاص للوجه الكاذب. إنها القناعة المفروضة التي يعتنقها شخص يصدق تماماً أكاذيبه الخاصة. ويستطيع نتنياهو أن يقنع نفسه بشكل صاخب بالأكاذيب التي تصبح أكثر غرابة باطراد. ففي أيار (مايو)، أكد بشدة أن أفيغدور ليبرمان، منافسه القومي المتشدد، كان يسارياً، بعد أن رفض ليبرمان الانضمام إلى ائتلاف يميني مما أدى إلى إجراء انتخابات جديدة. وكان هذا الطرح كوميدياً بما يكفي لجعل أحد الصحفيين يضحك مباشرة بشكل تلقائي.
مع ذلك، كان هذا الوجه قيد العرض دائماً بآخر فبركاته المجنونة، وهو شأن أكثر خطورة. فعشية يوم توجيه التهم إليه، اتجه نتنياهو مباشرة إلى حشد الهجوم اليميني على النظام القانوني في إسرائيل. وكان قد أبقى نفسه بعيداً إلى حد ما عن الحملة التي لا تني تزداد شراسة لنزع الشرعية عن القضاء الإسرائيلي في فترة ولايته التي امتدت لعقد من الزمن، لكنه أصبح يستغل هذه القضية الآن قادماً بنية الانتقام. فقط أصبحت الشرطة، والمدعي العام، وبالتالي الادعاء العام والنظام القانوني بأكمله، كلها تطارده مثل عصابة إعدام، بطلب من أسيادهم الحقيقيين، كما يقول، اليسار والإعلام. وكان اضطهاده على هذا النحو، بطبيعة الحال، تكراراً ضمنيًا لاضطهاد الشعب. إنهم يأتون في طلبي وسوف يأتون في طلبكَ أنت الآخر. ويجب إيقافهم.
وقد شاهدت المؤتمر الصحفي وصدَّقت نتنياهو -أعني، صدقت أنه يصدق أن هذا كله تلفيق بالكامل. كما صدق آخرون معناه: وافق 36 في المائة من الإسرائيليين في استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي على أن العملية القانونية ضده ملطخة وتم تصميمها للإطاحة به. ويفترض أن هذا الرقم يتداخل مع 37 في المائة من الإسرائيليين الذين يرغبون في استمراره كرئيس للوزراء على الرغم من لائحة الاتهام (في استطلاع أجري في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر).
لكن بيبي يفضح كذبه الخاص. فعندما تقترن القناعات الزائفة آلياً بالاضطراب السياسي، يرتدي وجهه المتعرِّق.
لكن أحد وجوهه الأكثر تسبباً بالضرر هو ذلك الذي يتم التقليل من شأنه أكثر ما يكون: الوجه الاستبدادي. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، كان ما فعله نتنياهو بأكبر قدر من النجاح هو إضفاء الثبات والاستقرار على نظام سياسي شموس بطبعه. وقد استمرت حكومتان من حكوماته في السلطة لمدة أربع سنوات كاملة -في مظهر نادر في السياسة الإسرائيلية. وفعل ذلك بمزيج من تعزيز السلطة، وإبعاد المنافسين المحتملين، أو إبقائهم على مقربة بينما يستحوذ هو على الحقائب الوزارية. وفي وقت توجيه الاتهامات إليه، شغل أربعة مناصب وزارية إضافية: الصحة، الرفاهية، الزراعة، وشؤون المغتربين. وفي بعض الأحيان، شغل خمسة مناصب في وقت واحد بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء.
وقد أشاد الإسرائيليون بفطنته السياسية واستمتعوا بالهدوء النسبي. وفي الحقيقة، يمكن بالكاد أن يتصدر الاستقرار وتعزيز القوة عناوين الصحف، لكنهما يشكلان الأساس لاستبدادي شعبوي. تجاهلْ الإجراءات المزعجة للديمقراطية. تخلّصْ من الضوابط والتوازنات الخاصة بالسلطة التنفيذية أثناء وجودك فيها. قايض حريتك بالاستقرار.
إذا كان نتنياهو يبدو أقل وضوحاً في الدور الاستبدادي، فقد تكون وجوهه الكثيرة المنمقة حيث الصوت العالي والقليل من المعنى أمراً جيداً. إنها تفضح تلك النسخة المتطرفة، وإنما الأكثر حتمية للزعيم الاستبدادي: الهوس بالصور للإيحاء بشخصية مثالية بطولية قابلة للعبادة؛ الاستجابة لإغراءات الفساد من أجل الحفاظ على السلطة؛ واللجوء إلى تقمص العظَمة؛ والانحدار إلى التدمير السياسي الذاتي، حتى لو كان ذلك يجري بحركة بطيئة موجعة.
لقد تشبثت باعتقادي بأن لإسرائيل وجوها أخرى: وجه السعي الحقيقي إلى السلام، وليس وجه السلام المغطّى بالماكياج؛ الوجه الليبرالي الديمقراطي، المليء بالكدمات والذي لا يمكن التعرف عليه تقريبا في الوقت الحالي، وإنما الذي ما يزال من الممكن رؤيته وهو يغمز من الزاوية أحيانا.
*محللة دولية بارزة في مجال الرأي العام، ومستشارة استراتيجية متخصصة في القضايا التقدمية والحملات السياسية والاجتماعية في أكثر من عشرة بلدان، بما في ذلك الديمقراطيات الجديدة/ الانتقالية وبحوث السلام/ الصراع في إسرائيل، مع خبرة في شؤون أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان. تعمل في مجموعة واسعة من المنظمات المحلية والدولية التي تتعامل مع قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحقوق الإنسان وصنع السلام والديمقراطية والهوية الدينية والقضايا الاجتماعية الداخلية. تحمل داليا شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من TAU، وهي تشارك في استضافة برنامج “تل أبيب ريفيو”.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The many faces of Benjamin Netanyahu