Wednesday 1st of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Oct-2018

مجزرة كفر قاسم والعدل المزيف - عوفر أديرت

 

هآرتس
 
الغد- في منتصف شهر تموز الماضي، تم توثيق مسرحية غريبة في قاعة الاجتماعات في المحكمة العسكرية للاستئنافات في قاعدة مقر وزارة الأمن في تل أبيب. القاضي هو ضابط بدرجة لواء، يلبس الزي العسكري، توجه إلى عضو الكنيست عيساوي فريج (ميرتس) وهو من سكان كفر قاسم، الذي دعي إلى منصة الشهود وكان لديه سؤال واحد: هل نشر الوثائق السرية في قضية المذبحة التي نفذت بحق سكان القرية في سنة 1956 من شأنه أن يخلق هيجانا في أوساطهم.
فريج، الذي عدد أبناء عائلته القتلى الذين أطلقت عليهم النار في المجزرة، وقتلوا بأيدي جنود حرس الحدود، أجاب بأن الغضب لم يُنس خلال 62 عاما التي مرت منذ ذلك الحين، مع ذلك أكد أن سكان القرية لا يريدون الانتقام. "ليس لنا مصلحة بالمس بأمن الدولة أو بحياة أي شخص، قال، وأشار إلى أن سكان القرية يعرفون جيدا أين يسكن الضابط الأكبر، الذي حوكم في القضية العميد احتياط يشكا شيدمي.
شيدمي، الذي كان قائدا للواء الذي تم في منطقته ارتكاب المذبحة، كان موجودا بتلك الساعة ليس بعيدا عن هناك، في بيته الفاره في منطقة الفلل الفخمة لحي رامات أفيف، دون أن يعرف أن اسمه يذكر ثانية في سياق القضية التي لاحقته طوال حياته كوصمة عار على جبينه.
المحاكمة التي تجري هذه الأيام تتناول دعوى للمؤرخ آدم إيرز مطالبا بإصدار أمر لأرشيف الجيش، ليكشف عن الوثائق السرية في القضية. "الأغلبية المطلقة للمادة ما زالت سرية". هو يقول: "لقد فوجئت لدى اكتشافي أنه من الأسهل الكتابة عن تاريخ المشروع النووي الإسرائيلي، من الكتابة عن سياسة إسرائيل تجاه المواطنين العرب".
القرار الحاسم في القضية لم يتخذ بعد، ولكن هذا الشهر سيرى النور كتاب راز "مذبحة كفر قاسم: سيرة ذاتية سياسية" (نشر دار الكرمل)، وهو البحث التاريخي الأول الذي كُتب عن المذبحة. راز أمضى السنتين الأخيرتين في الأرشيفات، في الاطلاع على وثائق ومحاضر منسية، وفي مقابلات مع أشخاص كان لهم ضلع في القضية.
أحدهم كان شيدمي نفسه. في محادثة في بيته في صيف 2017، قبل عام من موته عرض شيدمي روايته أمام ملحق هآرتس، وأمام المؤرخ راز، بصراحة كبيرة قدم شيدمي إطلالة نادرة ومقلقة، عما خلف الكواليس في أحد الأحداث التأسيسية في تاريخ إسرائيل، والجمهور العربي بشكل خاص. وهي حادثة أوجدت مفهوم "أمر غير قانوني بصورة واضحة"، وأدى فيما بعد إلى اعتذار، غير مسبوق لرئيس دولة إسرائيل عن جريمة نفذها جنود الدولة ضد مواطنيها.
في الشهر الماضي مات شيدمي في عمر 96 عاما ودُفن في مقبرة في كيبوتس "سدوت يام"، والذي كان أحد مؤسسيه. الآن وبعد موته وقبيل صدور كتاب راز، فإننا نكشف للمرة الأولى شهادة شيدمي، والذي في صلبها كان الادعاء بأن المحاكمة التي أجريت له بعد المذبحة كانت "محاكمة صورية" معروفة نتائجها سلفا وتمثيلية، والتي استهدفت رفع المسؤولية عن المذبحة عن المستوى الأمني والسياسي الأعلى في تلك الأيام، ومن بينهم رئيس الحكومة دافيد بن غوريون، ورئيس الأركان موشي ديان، وقائد المنطقة الوسطى وفيما بعد رئيس الأركان تسفي تسور (تسارا).
شيدمي أخبرنا أن المحاكمة استهدفت خلق وضع عبثي من إحقاق العدل أمام المجتمع الدولي، من أجل إزالة الموضوع عن الأجندة العامة. راز مقتنع بأن الخلفية لذلك كانت ضغطا من أعلى لإخفاء عملية (الخُلد)، وهي خطة سريّة لطرد عرب المثلث إلى الضفة الغربية، والتي لم تكشف حتى الآن.
شيدمي حظي بشيخوخة محترمة. في سنواته الأخيرة كان بكامل قواه العقلية وصحته جيدة وفكره صافي. في المحادثات الطويلة التي أجريناها معه كان يتذكر أدق تفاصيل الحادث الأساسي في حياته. "هذا الموضوع طوال الوقت يقلقني، لماذا؟ نظرا لأنهم عندما يقولون كفر قاسم يقولون "شيدمي". شيدمي، الذي هو من كفر قاسم. هنالك من يدوسون على لغم وتذهب أرجلهم وهنالك من يدوسون على لغم ويقتلون، أنا دست على لغم اسمه كفر قاسم" .
شيدمي كان لديه كل الأجزاء الصحيحة في سيرة ذاتية نموذجية لابن جيل 1948، والذي أبناؤه وبناته أنشأوا الدولة، لولا وصمة كفر قاسم، لكان سيدخل كتب التاريخ كواحد من قدماء الجيش الإسرائيلي وكبار ضباطه كما فعل زميله في نفس الدفعة وابن صفه يتسحاق رابين.
شيدمي الذي ولد في 1922 كان من مواليد البلاد، وابن لزوج طلائعي شوشانا لبيد غولدبيرغ وناحوم كارمر. اسم العائلة تغيّر لاحقا من كارمر، والذي معناه بقّال إلى شيدمي من الكلمة التوراتية شيدما، والذي معناها حقل. "زراعة وليس تجارة وبورصة، هذه هي الثورة الصهيونية" كتب في مذكراته.
والده كان ضابطا في الجيش الأحمر، والذي تحول لواحد من كبار الضباط الأوائل للهاغانا والجيش الإسرائيلي. يشكا، الابن الوحيد لوالديه تربى في البداية في المزرعة التجريبية "بيتانيا" في غور الأردن وفيما بعد انتقل مع عائلته إلى المستوطنة المحاذية "منحاميا". تعليمه بدأ في دغانيا (أ) وفيما بعد في خضوري". 
في بيته احتفظ بفخر بالصورة من سنة 1940 للمتخرجين من الدفعة الرابعة الذي ظهر فيها إلى جانب رابين والذي أصبح فيما بعد رئيس للأركان، ووزير للدفاع ورئيس للحكومة. كما اجتاز تأهيلا للهاغانا، في مذكراته كتب عن المهمة العسكرية الأولى التي نفذها، كحامل لأدوات يغئال ألون والذي أصبح فيما بعد القائد الأسطوري للبلماح، في التندر الذي انطلق في أعقاب النيران التي فُتحت على مستوطنة ساجرا في حين، في فترة الثورة العربية الكبرى (1936- 1939)، عرف للمرة الأولى عن النزاع العربي- اليهودي. "في طفولتي تربيت مع أولاد العرب وكنا أصدقاء في الألعاب. 
بالنسبة لي العرب لم يكونوا غرباء، يتوجب كراهيتهم والخوف منهم، تربيت معهم تحدثت معهم وكانوا يتحدثون العبرية والإيدش وأنا تحدثت العربية المخلوطة بالإيدش" كتب في مذكراته. مع اندلاع الاضطرابات حدثت الفجوة، كان هنالك عرب جيدين يعملون، وعرب أشرار يطلقون النار. وعلى خلفية المخاوف التي أوجدها الصراع، بدأت باكتشاف صور البطل اليهودي الذي يركب على الفرس ويعتمر الكوفية ويلبس العباءة.
في جزء آخر من مذكراته، من 1938 كتب: "اليوم نحن موجودون في البلاد في وضع تهديد، أو في دوامة دموية. ضبط النفس آخذ في الانهيار وبدلا منها جاءت عمليات الثأر. ليس هنالك قوة لأن نحتمل أكثر. مشاعر الحياة داخلنا تستيقظ على مرأى الدم الذي يسيل في كل الدماء. البندقية هي الأداة التي تعطي لكل واحد منّا الحق في الحياة، لولا البندقية لم نكن لنستطيع البقاء أحياء داخل هذا العالم الخبيث، أنا أكن الاحترام لتلك الأداة التي تحمل في داخلها الموت!".
في العام 1939 انضم إلى كيبوتس سادوت يام الذي تبلور في منطقة الكريوت قبل أن ينتقل إلى قيسارية. من المهم الإشارة أنه في تلك السنة اعتقل والده ناحم في أيدي البريطانيين، واتهم ظلماً بقتل ثلاثة عرب. فيما بعد اتضح بأن أحد سكان مناحميا قتلهم انتقاما لقتل ميخال عادين الذي هو أحد مزارعي المستوطنة، والذي أطلقت عليه النار أثناء حراثته لبيارته. 
كان والد شيدمي مهدداً بحكم الإعدام، قبل أن يتم تبرئته. في تلك الفترة تعرف على حنّه سينش قبل أن تذهب في مهمتها الخالدة التي لم تعد منها. في مذكراته تحدث عن جولات مشتركة على شاطئ البحر، كنا نسير حفاة، كنا نسير على الزبد الذي تتركه الأمواج المنسحبة من الشاطئ، أحياناً نتحدث وأحياناً كانت صامتة وكأنها تصغي إلى همس الأمواج وإلى صوت داخلي في داخلها أدارت معه حوارا". في أحد الأيام حسب أقواله أخذت من جيبها ورقة كان مكتوبا عليها كلمات "إلهي إلهي، نأمل ألا ينتهي للأبد".
شيدمي خدم في حرس الشواطئ في شرطة الانتداب كقائد وحدة، في بيت هعارفا في البلماح، وكقائد لسلاح البر في الهاغانا في السامرة. "يوم السبت الأسود" (1946) اعتقل بأيدي البريطانيين، ونقل إلى معسكر اعتقال في رفح هناك كتب قصيدة قيسارية، التي تحولت إلى أكثر القصائد تماهيا مع المنظمة، "ولدنا لكي نكون أحرارا للبناء والإبداع والعمل". وفي حرب الاستقلال قاد الكتيبة الخامسة (باب الواد) من لواء هارئيل وقاد الكتيبة السابعة (بئر السبع) في لواء النقب. بعد ذلك ترقى في سلم الدرجات والوظائف في الجيش ومن بينها خدم كقائد في مدرسة الضباط رقم واحد، وكقائد للواء جولاني. 
ولكن في مثل هذا الشهر قبل 62 عاما، داس على اللغم كما يقول، هذا حدث في 29 تشرين أول 1956، اليوم الأول في حرب سيناء. شيدمي الذي كان يقود لواء 17 في قيادة المنطقة الوسطى، طُلب منه الاستعداد للدفاع عن منطقة الحدود الإسرائيلية مع الضفة، وطُلب منه تقديم منع التجول الذي فرض على القرى العربية الواقعة تحت قيادته، ومن بينها كفر قاسم.
قائد كتيبة حرس الحدود والتي تمركزت في القرية، شموئيل مالينكي ادعى أن نص أمر شيدمي كان إطلاق النار على كل من يخرق منع التجول. هذه الأقوال التي اقتبسها من شيدمي كما يبدو، تمكنت منذ ذلك الحين من الدخول إلى كتب التاريخ: "أثناء منع التجول بوسعهم أن يكونوا في بيوتهم ويعملوا كما يريدون. (يعني إذا أرادوا يمكنهم أن يشربوا قهوة أو أن يجلسوا مرتاحين) ولكن من يشاهد خارج البيوت يخرق منع التجول، سيطلق عليه النار، ومن المفضَّل أن يتصرف بعضهم هكذا، وعندها يمكنهم أن يتعلموا للمرات القادمة".
فيما بعد حسب أقوال مالينكي، سأل شيدمي ما هو مصير المواطنين الذين سيعودون للقرية من عملهم دون أن يعرفوا عن منع التجول، على ذلك حسب أقواله قال له شيدمي: "أنا لا أريد مشاعر، أنا لا أريد اعتقالات" عندما أصر في الحصول على إجابة، حسب أقواله قال له شيدمي (الله يرحمه).
في المحاكمة التي جرت له نفى شيدمي أن يكون ذلك هو الأمر الذي أعطاه مهما كان الأمر النتيجة كنت كارثية ما بين الساعة 5 وحتى الساعة 6 قُتل في القرية بأيدي جنود حرس الحدود 47 مواطنا عربيا عادوا إلى بيوتهم من بينهم أطفال ونساء، مجموع الضحايا حسب رجال القرية وصلوا إلى 41 شخصا. قُدِّم شيدمي للمحاكمة، واتهم بقتل 25 مواطن لأنه لم يتم إثبات أن الأمر بإطلاق النار على خارقي منع التجول، يسري أيضا على النساء والأطفال كما تم تفسيره فعلاً ولكن في النهاية بُرِّء وصدر قرار بأن التهم ضده كان ينقصها الأدلة. 
وشيدمي أدين فقط ببند إجرائي وتقني وهو تجاوز الصلاحيات، لأنه أعطى امرا بخصوص ساعة وقف إطلاق النار في الوقت الذي فيه الحاكم العسكري هو صاحب الصلاحية للقيام بذلك، العقاب الذي فرض عليه كان سهلا ومغضبا جدا من ناحية سكان القرية: غرامة هي 10 قروش وتوبيخ، عندما خرج من المحكمة لوَّح شيدمي بانفعال بيده التي تحمل القطع النقدية وتحولت هذه العملة إلى مقولة في المجتمع العربي بشأن الاستهانة بحياة العرب من قبل السلطات الإسرائيلية.