Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-May-2018

مرة أخرى.. مازال البشير مثل خبز الشعير! - د. زيد حمزة

الراي -  عندما زرت مستشفى البشير قبل ستة أعوام قلت إنه (مثل خبز الشعير مأكول مذموم) ودافعت عنه بتعداد بعض ما يقدم من خدمات لآلاف المواطنين يوميا وأثنيت على جهد العاملين المرهقين فيه من اطباء وكوادر مساعدة وابديت ملاحظات غير جديدة عن اسباب الازدحام الضاغط على خدماته وعن الحلول المتوفرة لها كتفعيل نظام المراكز الصحية الشاملة في وزارة الصحة حيث ينبغي ان يذهب الاختصاصيون من المستشفى للعمل فيها بدل ان تأتي كل هذه الآلاف يوميا اليهم!

ولقد عاودتني الرغبة في زيارة ثانية بعدما استفزتني انتقادات ظالمة سمعتها عنه مؤخراً واعذروني فانا مازلت عاطفيا اعتبر نفسي من الابناء الاوائل لمستشفى الاشرفية (البشير حاليا) ومدينا له ببداياتي المهنية فقد عملت فيه قبل ستين عاماً وشهدت ((ولادة)) كل قسم من اقسامه مع بزوغ النهضة الطبية العلاجية التي حملتها اكتاف العاملين في وزارة الصحة الفقيرة في ذلك الزمان وبخاصة في مجالات الجراحة وظلت في نفس الوقت صابرة صامدة وفية تتحمل العبء الأول والأهم ألا وهو الرعاية الصحية الاولية (وكانت تسمى الوقائية) التي من ابرز نجاحاتها التي لا تُنسى القضاء على الملاريا في الاردن وكانت من قبل وباء متوطناً، وتخفيض الاصابة بالسل وكان منتشراً بكثرة بين المواطنين بسبب الفقر فضلاً عن حماية اطفال الاردن بالتطعيم ضد امراض كانت تفتك بهم واختفى تماماً مرض كشلل الأطفال.. ولم أشأ في ذلك المقال أن أشير الى مشكلة قديمة تؤرق الوزارة وتحرج ادارة المستشفى منذ عقود الا وهي نقص بعض التخصصات الطبية بسبب تسرب الكفاءات الى القطاع الخاص او الى دول الخليج لأني كنت قد كتبت عنها قبل ذلك كثيراً لكني اليوم وقد شهدت في زيارتي الحالية آثارها المزمنة واضحة جلية وانا أجول في قسم العمليات الجديد الواسع ذي الثماني غرف المجهزة بأفضل من مثيلاتها في مستشفيات القطاع الخاص، وقلت في نفسي لماذا يحجم وزراء الصحة المتعاقبون عن التصدي لهذه المشكلة كما فعلتْ كل دول العالم بانظمة مختلفة ومريحة تسمح للاختصاصيين بالعمل في القطاع الخاص بعد انتهاء دوامهم بدل اللجوء الى الحلول الترقيعية المؤقتة وغير المستقرة كالتعاقد مع أمثالهم في القطاع الخاص أو شراء الخدمات منه!! لاسيما وأن هؤلاء الوزراء قد يعثرون في ادراجهم على حلٍ كان مقترحاً منذ عام 1986 وهو لا يكلف الميزانية اعباء اضافية بل يوفر علاوات ((التفرغ)) الحالية التي يمكن تحويلها لزيادة رواتب الذين يرغبون فعلاً في التفرغ أو تقضي تخصصاتهم أو واجباتهم بذلك.. كما ان الاسترشاد بمبدأ النظام الوظيفي الخاص الذي وضعته الدولة لجهاز القضاء يمكن ايضاً أن يحافظ على الكفاءات الطبية للجراحين ورفاقهم اطباء التخدير وغيرهم من الاختصاصيين الى سن السبعين كما في بريطانيا ويمكن كذلك استبقاؤهم حسب قدراتهم بعد هذه السن كمستشارين ذوي نفع عظيم في التدريب والتعليم..
ولعل من المفيد بهذه المناسبة التذكير بأن وزارة الصحة كانت عام 1962 قد تبنت في عهد حكومة وصفي التل الاولى نظاماً اختياريا للتفرغ قضى بالاستمرار في السماح للاختصاصيين بالعمل في عياداتهم بعد الدوام مقابل حجب علاواتهم عنهم، لكن حكومة التل الثانية عام 1965 فرضت نظاماً للتفرغ الاجباري الكامل تسبب في هجرة الكفاءات من وزارة الصحة وأدى بالتالي الى الهبوط المتكرر في مستوى خدماتها ليس لملايين من المرضى الفقراء ومحدودي الدخل فحسب بل ايضاً لمشتركي التأمين الصحي من موظفي الدولة وعائلاتهم ! وجاء ذلك كله لصالح القطاع الطبي الخاص ثم في وقت لاحق لمروجي بيع القطاع الطبي العام تمهيداً للخصخصة متمثلاً بالنظام الخاص لمستشفى الامير حمزه او مستشفى الملك المؤسس، أما السؤال الذي أتمنى ألا يُطرح في هذا السياق حتى لا اضطر للاجابة عليه بأسف وألم فهو: لماذا لم تفعلها أنت وقد لاحت لك الفرصة عام 1985 ؟ والجواب باختصار شديد أنني وضعتُ يومئذ بالتعاون مع زملائي في الوزارة مشروع نظام اختياري متدرج وافق عليه رئيس الوزراء السيد زيد الرفاعي رغم ضغوط واعتراضات من قبل نفس القوى التي فرضت نظام 1965 لكن زيارةً مصادفة كان يقوم بها له مجلس نقابة الاطباء اجهضت المسعى الحميد بالاعتراض عليه لأنه في رأي المجلس يزيد البطالة في القطاع الطبي الخاص (كذا) ! لكن الدنيا تغيرت الآن ولا أظن ان النقابة يمكن ان تقف مثل ذلك الموقف غير المدروس وغير المنصف بانحيازها لاعضائها في قطاع دون آخر، بل سوف تؤيد أي وزير صحة يطرح نظاماً الهدف منه الاحتفاظ باطبائه للقيام بخدمة افضل وأطول للوطن وللمواطنين.
وبعد.. اعود للحديث عن ((البشير)) الذي قلت عنه سابقاً واقول الآن انه يقدم خدمات جلى اذ يكفي ان نعرف ان عدد مراجعي قسم الطوارئ فيه يبلغ ألفي مريض يومياً ويؤم عياداته 3000 مريض يوميا، وان عدد أسرته 1110) كانت عند تأسيسه 56 (شغلها في العام المنصرم اكثر من تسعين ألف مريض واجريت على يد جراحيه 25600 عملية.
وفي الختام علينا الا ننسى أن الفضل الأول في جهوده وقدراته الهائلة تعود للعاملين فيه وليس فحسب للاجهزة الحديثة والابنية الكبيرة التي استطاعت الوزارة توفيرها وقد تضاعفت ميزانيتها الى 760 مليون دينار بعد ان كانت قبل ثلاثين عاماً 32 مليوناً فقط لا غير..