Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2019

الانفتاح على العالم.. بما له أو عليه*محمد عبدالجبار الزبن

 الراي

حينما فتح عينيه على السبورة وتعلم كلمة: (موطني) وكان آنذاك غلاما يافعًا، وتعلم بعدها كيف يمسك القلم ليكتب حروف اسمِه، ويقرأ الدِّينَ والمبادئ والقيم ليبني مستقبله، لعلّه ينفع نفسه ووطنه وأمته، أو على الأقلّ لا يؤذي نفسه ووطنه وأمته.
 
وبعد انتهاء الدّرس الذي استمرَّ ربع قرن من الزمان، كان الوطن والأبوان ينفقون عليه، وينتظرونه يفتح عينيه، وإذ به يفتحهما ليرى نفسَه سابقًا إلى التطور منفتحا على الزمان والمكان الأرقى متكبرًا على الذين علموه حروف اسمه منفتحا على عالم آخر، أنساه مَن بالأمس قَدَّمَه وأعانه ليصل إلى ما وصل إليه.
 
والأمر إلى هنا تحت السيطرة. فقد يتذكر المسكين ولو بعد حينٍ، أنّ الوطن والمعلم والأبوين كانوا من أسباب نجاحاته، وأنّ لهم حقًّا عليه لا منَّة منه عليهم. إنّ التصوّر الماضي شبه مألوف عند بعضنا. ولكن من غير المألوف أن يعتقد أحدُهم أنّ الانفتاحَ على العالم من لوازم النجاح فينطلق يفتح عينيه على كل شيء إلا على لوازم النجاح. فمخطئ من يظنّ أن الانفتاح شتمٌ لثوابت الدين ومعتقدات الناس، ومغفلٌ من يَخرُجُ من خُمِّ الدجاج ليعفّر بريشه على صقور الوطن، وليس صوابا أن الانفتاح على الحضارات بالتقاط قماماتها، فتلك هزيمة بل سخيمة بمعنى الكلمة.
 
فالانفتاح على العالم: ولوج من باب تلاقح الأفكار والثقافات، على مائدة الفائدة مع الآخر، فنأخذ ونعطي، وليس لنأخذ ونستجدي فقط، فذلك له اسم آخر غير الانفتاح، يمكنه الرجوع إلى زوايا التاريخ المظلمة لتنبئه عن وسمه ورسمه. فالانفتاح: غنيمة للفرد والمجتمع بما نتعلمه من الآخرين في الصناعة والتجارة والابتكارات وأنماط التطور والحياة الراقية، إضافة على ما عندنا، وكذلك هم ينفتحون علينا وعلى غيرهم ليأخذوا ما عندهم من غنيمة كريمة يحتاجونها ضمن محيط العرض والطلب.
 
فكم من عبقريّ من أمتنا قدّم للإنسانية ما تفخر به الأجيال، وتلك المهارات المنتـشرة في العالم من أبنائنا قدمت الشيء الكثير وما زالت، فما من حضارة أو تقنية قامت إلا بالتعاون بين الأمم ما بين بالعقول والحقول.
 
والانفتاح إيجابيّ بالتقدم والازدهار، وأما إذا أدى إلى انسلاخ من الجذور فليس مضمونا أن تنبت نفس الثمر بعد اقتلاعها، فالتعالي على الآخرين لأنّه دخل بلاد الواق واق، أو أنه أتقن لغةً غير أمّ اللغات أو لغته الأمّ، أو أنه حمل ورقة تثبت أنه تخلى عن وطنه، فذلك كلّ وأمثاله لا يعنينا بشيء ولا نحتاجه أبدًا، وانفتاحه على نفسه بعد أن يتخلى عنه وطنه كما تخلى عن وطنه.
 
فإذا كان ابنُ الأمس ينسى أن له وطنًا أولا فلن يحترمه الناس تاليا وآخرا، ولأنه لا يوجد في ديننا الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا، ما يمنع الانفتاح على الآخرين، فليس من العقلانية أن ينحدر إنسان في تفكيره، فيظنّ أنّ الانفتاح إدارة الظهر للأخلاق والمبادئ، بل الانفتاح إدارة المواقف بالأخلاق والمبادئ.
 
فهل يفكر المعنيون مليًّا، قبل مغادرتهم سرب الوطن ومنظومة الأخلاق؟ وقبل التصرف بما لا يليق بتراب درج عليه، وسبورة قرأ عليها موطني؟. ولا يلقي بأخطائه ناحية الانفتاح فكلنا لنا انتماءاتنا ونمثل أنفسنا ونمثل الوطن إذا انتدبنا يوما، بانفتاح على العالم، مع حفظ ما يجب حفظه، ليعود الجميع بغنيمة للوطن بسمعة تليق به.