Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2018

الزعماء الغربيون ونماذج من احترام القوانين - د. صلاح جرّار

 الراي - يكثر في هذه الأيّام تداول فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رؤساء وملوك ورؤساء وزراء في دول العالم المتحضّر يقدّمون في سلوكهم نماذج للزعيم العادل والمنتمي والملتزم بالقوانين إلى أقصى درجة ممكنة، فبعضهم يستقيل لأسباب –هي من وجهة نظر عالمنا العربي- واهية، وبعضهم يحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة وبغرامات باهظة بسبب سوء استخدامه للسلطة، وبعضهم يركب الحافلة أو القطار شأنه شأن أي مواطن عادي ولا يجد في ذلك حرجاً ولا يجد من الناس من يتزلف له أو يقدّمه عليه، وبعضهم يتسوّق كما يتسوّق أيّ مواطن عاديّ ولا يتقدّم دور أحدٍ أبداً، ولا يميّز عن غيره في المعاملة، وبعضهم يذهب إلى عمله إمّا بسيارة أجرة أو على درجة هوائية، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تعدّ ولا تحصى.

إنّ هذه الحالات تستوقف المواطن العربيّ العاديّ وينبهر بها ويتداولها مع أصدقائه ومعارفه وفي مقالاته وخطاباته وأحاديثه، وكأنّه يدعو ويتمنّى أن يصل الأمر بالمسؤولين في الدول العربيّة إلى هذه الحال من العدل والاستقامة والمساواة مع الناس دون أي تميّز أو امتيازات خاصّة.
ومع أنني أؤيد ذلك تأييداً مطلقاً وأؤيّد هذه الدعوات، إلاّ أنني أتساءل: لماذا لا نطلب من المواطن العربي نفسه أيّاً كان مستواه ووظيفته ومنصبه ونفوذه ومقدار ثروته ونوع سلاحه الذي على خاصرته وأيّاً كان صهره وابن عمّه، أن يحذو حذو هؤلاء الرؤساء والملوك ورؤساء الوزراء والوزراء في الدول المتحضّرة، فعندما يصطفّ في أي دور لا يحاول أن يقفز عن غيره، وعندما يذهب لإنجاز معاملة لا يتقدّم فيها على غيره من المواطنين، وعندما يذهب إلى عمله يستخدم الحافلة أو سيّارة الأجرة أو الدرّاجة الهوائية، ويلتزم بالأنظمة والقوانين والتعليمات والتشريعات والقواعد والأصول التي يطلب من الناس الالتزام بها.
إنّ بعض نماذج السلوك الإيجابي التي تبهرنا ونحن نشاهدها عند أعلى السلطات في الدول المتقدّمة هي نماذج تصلح للمسؤولين كما تصلح للرعيّة، وعلينا ونحن نروّج لها أن لا ننسى أنفسنا، فنطالب بأن يحذو المواطن العربي العاديّ حذوها كما نطالب المسؤولين العرب بذلك.
فإذا كنا ندعو إلى أن يلتزم الرؤساء والملوك ورؤساء الوزراء وسائر الزعماء بأن يكونوا نماذج لرعاياهم في
احترام الأنظمة والقوانين وقواعد الذوق العام وأصول المواطنة السليمة ومقتضيات العدالة والمساواة، فإننا
نطالب أيضاً المواطنين أنفسهم بأن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية و يلتزموا باحترام القوانين واجتناب
الفساد بكل صوره وأشكاله، إذ لا يجوز أن نطالب الزعماء وحدهم بأن يكونوا نماذج في السلوك القويم بينما
نغض الطرف عن تجاوزات المواطنين وقفزهم على القوانين والأنظمة وارتكابهم ممارسات كثيرة منافية للعدل والقانون.
وإذا قيل إنّ الناس على دين ملوكهم فإننا نقول إنّ المسؤول العربي هو ابن بيئته وابن مجتمعه ونتاج
ثقافة سائدة في المجتمع الذي ينشأ ويتربى فيه.
إنّ بعض الممارسات الاجتماعية التي تنم عن التمايز الطبقي وتفضي إلى أشكالٍ من الفساد القانوني والإداري هي نتيجة طبيعية لثقافة اجتماعية سائدة تسمح بمثل هذا التمايز وتغض الطرف عن كثير من المخالفات والتجاوزات التي تصدر عن بعض الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية. ولذلك فإننا إذا أردنا أن نحذو حذو النماذج الأجنبية المتحضرة أو ندعو إلى إيجاد نماذج عليا في مجتمعاتنا في العدالة والمساواة واحترام القوانين واجتناب الفساد ما صغر منه وما كبر، فإنّ علينا أن نراجع الثقافة التي تولّد مثل هذه الممارسات وأن نوجهها توجيهاً جديداً يفضي إلى إصلاح المجتمع وقوانينه ويخلصه من أشكال التمايز والتجاوز والفساد.
salahjarrar@hotmail.com