Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2020

الاندماج الثقافي (بَين الخَوف مِنه ... والإِصرارُ عَليه )

 الدستور-هديل المغربي

يعد الاندماج الثقافي في أوروبا في الآونة الأخيرة من أهم التحديات المطروحة والمثيرة للجدل والتي تعتبر حديث الساعة وبوصلة التعايش بين الناس، ويعود ذلك للتطور السريع الذي يحدث في هذه الدول الأوروبية على مختلف الأصعدة السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والدينية . حيث أن فكرة الاندماج بحد ذاتها باتت من أكبر المخاوف التي تهدد استقرار حياة بعض المهاجرين إلى أوروبا وبعض السكان الأصليين، ويتسنى ذلك في نسبة التقبل التي يلمسها المهاجر من قبل صاحب الأرض والبيئة المحيطة، ومدى الجهد المبذول من قبل المهاجرين في تحسين تلك الصورة النمطية عن الاختلاف وعن ما هو مختلف، والعمل على إنتاج صورة أخرى حقيقة تعكس واقع الشخص نفسه والمكان القادم منه .
ولعل أوضح مثال على ذلك هي (ألمانيا)، فهي دولة التعدد الثقافي الآن من دون أدنى شك . كما أننا نجد بعض المهاجرين إلى ألمانيا ممن يحملون إصرارا كبيرا في إنجاز هذه المهمة، وكأنهم في معركة وقد راهنوا على الفوز! وذلك لأنهم على يقين تام بأن هذا الاندماج سوف يصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم وسوف يتيح لهم العيش بصورة أفضل والتأقلم بشكل أسرع مع كل ما هومحيط بهم في هذه الحياة الجديدة.
فإن كلمة اندماج ثقافي تحمل العديد من العناوين الفرعية بداخلها، التي تشكل محاور مهمة مرسومة في ذهن كل مهاجر إلى ألمانيا وهي : مسؤولية إتقان اللغة الألمانية، مسؤولية الالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها في هذه الدولة، مسؤولية الالتقاء مع الآخر في نقطة وصل مثمرة، مسؤولية التأقلم مع الطبيعة والمناخ لهذا المكان، مسؤولية إيجاد الذات وإثباتها في نقاط العمل والتعليم وغيرها، مسؤولية نقل صورة جيدة عن البلد الأصلي للمهاجر نفسه ونشر الوعي حول ذلك، وأيضاً مسؤولية المحافظة على اللغة الأم والعمل على نشرها في أفضل صورة ممكنة والتمسك بالهوية الأصلية للمهاجر، وغيرها  ... .
وفي هذا الإطار لابد من الاستعانة ببعض القصص الواقعية والملهمة للتأكيد على أهمية الاندماج الثقافي في ألمانيا، وإحدى هذه القصص هي السيدة ( فاطمة) وهي أم وعاملة في مدينة فرانكفورت وكانت قد أتت من العراق بهدف التعليم والعمل . تروي السيدة (فاطمة) قصتها بشكل مشوق ومحفز، حيث تتطرق لأهم العوامل التي ساعدتها وساعدت أبنائها الثلاثة في الإندماج في المجتمع الألماني بسرعة ويُسر، حيث كانت تحمل في داخلها العزيمة والإصرار على ذلك منذ اللحظة الأولى، وأثبتت ذلك على أرض الواقع بعد مرور سنتين فقط على تواجدها في ألمانيا.
تبدأ رحلتها مستعينة ببعض الأمل والتفاؤل، ولا تخفي أنه كان في قلبها الكثير من التوتر والقلق من عدم إنجاز هذه المهمة بنجاح والوقوع في فخ الملل وكسل والفشل، كما كانت تسمع من بعض الأصدقاء قبل السفر الى ألمانيا. فهناك من كان يقتل عزيمتها وإصرارها متمسكاً بكلمة مستحيل أوصعب للغاية، أما هي فكانت تُحوّل المستحيل إلى ممكن في داخلها وتزرع الأمل في قلوب أبنائها الثلاثة . تمضي مسرعة في الشهور الأولى من رحلتها لتعلم اللغة الألمانية التي كانت استعدت لها وقرأت الكثير عنها عبر الإنترنت والكتب واختارت المعاهد والمدارس المخصصة لذلك والمناسبة لها ولأبنائها .
ولأن التنظيم والاجتهاد كانا عنواني رحلتها، لم يستغرق منها إتقان اللغة الألمانية أكثر من عام وثلاثة أشهر، كما كان مستوى الأبناء دائماً في تحسن، وكان اندماجهم في الحياة الأكاديمية في المجتمع الألماني يتطور للأفضل باستمرار، لا غنى عن بعض المتاعب والمواقف السلبية التي تطرق باب الحياة اليومية، ولكن التفهم والعقلانية كانا أهم المفاتيح السرية لتخطي تلك المتاعب.
ولم تنتظر السيدة( فاطمة ) طويلاً، خشية نسيان اللغة والتباطؤ في السعي نحوالاندماج الثقافي،  فقد سارعت بعد ذلك للبحث عن عمل في مجالات مختلفة وبعد فترة وجيزة تمكنت من البدء رسمياً كموظفة في ألمانيا وبدوام رسمي وكليّ، وبدأت حياتها وحياة أبنائها تأخذ منحى آخر عمّا كانت عليه سابقاً، منحى أكثر تماسكاً وتنظيماً، لا تشتت فيه ولا إهمال، وكأنهم أصبحوا أحد عناصر هذا المجتمع وأحد أبنائه .فقد أضافوا إلى قاموسهم الأصلي مفاهيم ومصطلحات جديدة، ورسخوا ما كان موجوداً بكل انتماء وولاء . واثقين بأنهم سوف يعودون يوماً ما إلى وطنهم بعد الانتهاء من تحقيق مستقبلٍ مشرقٍ في مجال التعليم والعمل لطالما حلموا بذلك طويلاً.