Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Feb-2018

بوصلة العمل الشبابي - د. مأمون نورالدين

الراي -  هم أغلى مواردنا وأغناها، هم مستقبل الوطن وصمام أمانه، وإنهم أوّل ما وضع جلالة الملك على سلّم الأولويات يوم تسلّم سلطاته الدستورية. هم وحدهم من سيحدث الفرق والنقلة النوعية، ولكن ذلك لن يحدث إلّا إذا ما تم ضبط بوصلتهم إلى الإتجاه الصحيح الذي يوصلهم إلى منصّة منفعة الوطن وأنفسهم. نحن بحاجة إعداد علماء ومخترعين، قادة مبدعين، فنانين، مثقفين ومفكرين. نريد شبابا تعلّم ولم يلقن، فهم ولم يحفّظ. نريد جيلاً يقلّص الفجوة ويلحقنا بالعالم المتقدم. هذا المقال لا ينتقد مؤسسات ولا ينتقص من أدوار القائمين عليها، ولا هو إلّا دعوة لإعادة ضبط بوصلة شباب الوطن لما فيه الخير له ولهم.

 
يلاحظ المهتم أنّه ومنذ فترة ليست بالبسيطة تشرذم العمل الشبابي وتعدّدت الجهات المعنية بين مؤسسات رسمية وغير رسمية، وأدت كثرة هذه الجهات إلى مغالطة في بوصلة العمل الشبابي وفي كثير من الأحيان ظهور برامج مجوّفة من المحتوى الحقيقي. لكل جهة وجهتها الخاصة على البوصلة، وكلّ منها تجذب لبرامجها فئة معينة أو من تم إختيارهم مسبقاً بالإسم. لقد خلقت حالة أضعفت دور الجهة الرسمية المسؤولة عن الشباب (وزارة الشباب) من ناحيتين فهي أصبحت مغيّبة عن كثير من البرامج المعدّة دون تنسيق معها، والأصعب أنها لم تعد قادرة على المنافسة على استقطاب الشباب في ظل وجود ما يستقطبهم من برامج تعدّ في فنادق ومنتجعات الخمس نجوم في حين أن برامجها تعدّ في المعسكرات وبيوت ومراكز الشباب. لا ضير من وجود جهات تحفّز وتطوّر الشباب، ولكن لماذا لا تكون هذه الجهات تحت مظلة وزارة الشباب بدلاً من التغوّل على برامجها؟ ولماذا لا توجّه كل الموارد والطاقات نحو هدف واحد مبرمج بدل من تفرّد كل جهة بهدف؟
 
ليست هذه المشكلة الوحيدة، بل حتّى أن برامج وزارة الشباب نفسها وخططها تعاني من عدم الإستمرارية والتذبذب في غياب واضح لخطط شمولية مستمرة عابرة للحكومات، فقد غيّبت البرامج النوعية وأخذت أغلب البرامج طابع التكرار والشكلية وليس هذا ما يحتاج الوطن.
 
لقد كانت هناك تجربة ناجحة للعمل الشبابي الأردني أحدثت الفرق وأصبحت قدوة للعمل الشبابي العربي لما كان هناك استراتيجية شاملة نفذت على أرض الواقع عبر شراكات حقيقية وفاعلة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تحت مظلة المجلس الأعلى للشباب الذي تأسس بتوجيهات من جلالة الملك ليكون مظلة العمل الشبابي في المملكة، لقد إستطاع المجلس وخلال وقت قياسي من النهوض بالعمل الشبابي بهمّة فريق من المختصين المخلصين والجادين. والأهم أن هذا المجلس إستطاع أن يبني قيادات شبابية تخصصت بهذا العمل حتى من الجانب الأكاديمي.
 
تحويل الوزارة إلى مجلس أعلى كان من أهم الدوافع التي مكّنت ازدهار العمل الشبابي آن ذاك، لأنه أصبح هناك مؤسسة مستقلة لا تتأثر مباشرة بالتقلبات الوزارية وهذا ما مكّن القائمين على المجلس من التفرّغ التام للعمل على تخطيط وتنفيذ استراتيجية وطنية فذّة. لكن هذا الدرب لم يكتب له الإستمرار لأسباب كثيرة أولها وأهمها إختلاف أولويات الحكومات المتعاقبة، مع أن الشباب لم يكونوا يوماً إلّا في أعلى مراتب الأولوية لدى جلالة الملك، وبسبب هذا بدأ مؤشر العمل الشبابي بالإنحدار ولم تستطع الإستراتيجية أن تستمر، وزاد الإرباك التحوّل من مجلس إلى وزارة إلى مجلس إلى وزارة مرة أخرى! وشيئاً فشيئاً فقدت هذه المؤسسة الوطنية قياداتها الكفؤة المهيأت والتي تعدّ مراجع على المستوى العربي وماعاد هناك تقييم فعلي لأداء هذه المؤسسة لتصويب مسارها على مدى سنوات.
 
لنقف اليوم قليلاً ونقيّم الوضع عسى أن نعطي الشباب حقّهم. الأردن بلد الشباب فيه أكثر من ٥,٢ مليون طالب من فئة الشباب وبشتّى المراحل من المدرسة وحتّى الدراسات العليا، من يستغل طاقاتهم؟ وما نسبة المستفيدين منهم من برامج التمكين المختلفة؟ وما هي تلك البرامج؟
 
اليوم نحتاج نهضة أخرى توحّد إتجاه البوصلة وتعطي الشباب حقّهم، نحتاج إلى خطط تعبر الحكومات ونحتاج أشخاصاً مخلصين ليعملوا على ذلك وهم يعلمون أن مقابلهم معايير نجاح تقيس أداءهم وأن لا مكان للفشل، حتّى إذا ما قصّروا تمت محاسبتهم لأن الشباب ثروة وإذا أهملناهم فإننا ببساطة نهمل مستقبل الوطن الذي ليس لدينا أغلى منه. علينا أن نعيد بناء المنظومة الشبابية من الصفر ليشمل ذلك التشريع والفكر والتخطيط لتحقيق أفضل النتائج وفي أسرع وقت، علينا أن نعيد ثقة الشباب بمؤسسات الدولة وقدرتها على رعايتهم لأن الشباب هم من سيحمون الوطن بفكرهم أولاً ثم بسواعدهم، وهم من سيبنونه بأيديهم وينهضون بإقتصاده. الشباب هم الغاية والوسيلة لرفعة الوطن وتطوّره وإزدهاره، وهم مفتاح الحل لكل مشاكل وأزمات اليوم.