Sunday 8th of September 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Jul-2024

محاولة اغتيال ترامب: انعطافة في تاريخ العالم!
 درج ميديا
 
ترامب هو الكاسب الوحيد من محاولة الاغتيال الأخيرة، سواء أتت على يد ديمقراطيين أم جمهوريين من الأقلية الجمهورية المعادية له، ممن يرون في فوزه بالرئاسة مجدداً تهديداً وجودياً للديمقراطية الأميركية، أو على يد شابٍ طائش يحاول إثبات نفسه في عالم ينبذه. 
 
منذ ترشح دونالد ترامب للرئاسة عام 2015، شهدت الولايات المتحدة الأميركية انقسامات عميقة عصفت بمجتمعها، نتج عنها تهديدات ومحاولات اغتيال عديدة، وأعمال عنف، كان أبرزها اقتحام مؤيدي ترامب مجمع الكونغرس (الكابيتول) في 6 يناير/كانون الثاني 2021 بتحريض مباشر منه. 
 
استهدفت بعض محاولات الاغتيال خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي، كما استهدف بعضها الآخر ترامب شخصياً، وكان آخرها في مدينة بتلر في ولاية بنسلفانيا حيث تعرّض ترامب لرصاص قنص وسط حشد انتخابي مؤيد.
 
بعد نحو 7 ساعات على محاولة الاغتيال، حدّد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI هوية المتّهم، الذي قتله عناصر الخدمة السرية، وذلك بعد فحص حمضه النووي، إذ إنه لم يكن يحمل أي مستند يعرّف عنه، وتبيّن أنه شابٌ يدعى توماس ماثيو كروكس ويبلغ من العمر 20 عاماً فقط.
 
 والمفاجأة الأكبر كانت أن كروكس مؤيد للحزب الجمهوري ومسجّل فيه أيضاً، والتحقيقات ما زالت مستمرة لمعرفة دوافعه. وقبل تحديد هوية المتّهم، انتشرت بعض الأكاذيب والإشاعات، التي كان من الممكن أن يكون لها تداعيات خطيرة، في حال قام مؤيدو ترامب بردّ فعلٍ عشوائي.
 
بدأت الأحداث العنيفة بعد حملة الانتخابات الرئاسية، التي قادها ترامب عام 2015 تحت شعار “إجعل أميركا عظيمة من جديد” أو MAGA (Make America Great Again)، خاصة وأنه اعتمد على أسلوب التحريض المباشر، ونشر الكراهية ضد مجتمع الميم عين، والنساء، والمهاجرين خصوصاً المكسيكيين واللاتينيين والمسلمين، وقد تجدد العنف مع محاولة اغتياله الأخيرة خلال حملته الانتخابية ممثلاً الحزب الجمهوري، التي حدثت بعد تصريح مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس جو بايدن حيث قال: “لدي وظيفة واحدة، وهي التغلب على دونالد ترامب. أنا متأكد تماماً أنني الشخص الذي يستطيع القيام بذلك. لقد انتهينا من الحديث عن المناظرة، وحان الوقت لوضع ترامب في مرمى النيران”.
 
تمتاز حملة ترامب الانتخابية الجديدة بالطابع الانتقامي، خاصة مع تركيزه الكبير على من وصفهم بـ “أعداء الداخل”، وإطلاقه العديد من التهديدات على موقع Truth Social، الذي يملكه شخصياً؛ ولا يحظى بمتابعة كبيرة، باستهداف خصومه السياسيين، مستخدماً الحكومة الفيدرالية خلال الإدارة الثانية، إلى جانب التحريض العنيف والمستمر منذ سنوات، على وسائل الإعلام باعتبارها “عدو الشعب الأميركي”.
 
من هو توماس ماثيو كروكس؟
يقول كيفن روجيك، العميل الخاص المسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI عبر اتصال هاتفي مع صحيفة واشنطن بوست: “في الوقت الحالي، تشير المعلومات المتوفرة لدينا، إلى أن مطلق النار تصرف بمفرده”، ويضيف: “في الوقت الحالي، لم نحدد أية أيديولوجية مرتبطة بالموضوع”. فيما يقول المحققون إنهم عثروا على مواد لصنع القنابل في سيارة في منزله.
 
لكن زملاء كروكس في الدراسة يقولون إنه “كان منعزلاً ومنبوذاً” وإنه كان يجلس طوال الوقت بمفرده، ولم يُسمح له بالانضمام إلى فريق البندقية في المدرسة حيث تم رفضه، لأنه كان قناصاً سيئاً لا يجيد إصابة الهدف، وأنه “كان يرتدي ملابس الصيد إلى المدرسة ويتعرّض للتنمر باستمرار”.
 
وقد كان كروكس يعمل في مركز “بيثيل بارك” للتمريض وإعادة التأهيل؛ وهو دار لرعاية المسنين، وأعربت مديرة المركز عن صدمتها بما حصل، لأن كروكس كان هادئاً وكان سجلّه نظيفاً عند توظيفه. 
 
أما مؤسس قناة DemolitionRanch فقد نفى علاقته بكروكس، الذي كان يرتدي شعار القناة أثناء العملية.
 
نظريات المؤامرة في اللحظات الأولى
 
مباشرة بعد محاولة اغتيال ترامب، وجه بعض مؤيديه سهام الاتهام نحو بايدن والحزب الديمقراطي، مفسّرين كلمة “مرمى النيران” (Bullseye) على أنها بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ عملية الاغتيال، وكان نائب الحزب الجمهوري مايك كولينز أول السياسيين الرسميين الذين وجهوا تلك التهمة إلى بايدن (أنظر الصورة أعلاه) وكذلك فعل عضو مجلس الشيوخ الجمهوري جيمس ديفيد فانس معتبراً خطاب بايدن دعوة مفتوحة إلى اغتيال ترامب (أنظر الصورة أدناه) فيما حاول البعض الآخر الترويج لنظرية مؤامرة مختلفة، حيث لفّقوا التهم مباشرة لحركة “أنتيفا” اليسارية المعادية للفاشية، التي دعا ترامب شخصياً إلى تصنيفها حركة إرهابية عام 2020.
 
 
ظهرت أبرز التلفيقات بحق “أنتيفا” بعد وقتٍ قصير من محاولة الاغتيال على صفحة Wall Street Silver  المؤيدة لترامب على موقع X، حيث قامت الصفحة بتزوير هوية المشتبه به، واستخدمت صورة صحافي ويوتيوبر إيطالي يدعى ماركو فيولي (أنظر الصورة أدناه، وهنا رابط حساب ماركو على موقع انستاغرام ويمكن إيجاد الصورة التي تم استخدامها زوراً) وقامت بتغيير اسمه إلى “مارك فيوليتس”، مدعية أنه ينتمي إلى “أنتيفا” وأنه قام شخصياً بتحميل فيديو على موقع “يوتيوب” يقول فيه إن “العدالة قادمة” من دون نشر الفيديو بالطبع، لأنه غير موجود في الحقيقة!
 
 
انتشرت الكذبة كالنار في الهشيم في الساعات الأولى بعد محاولة الاغتيال، وبدأ التحريض ضد “أنتيفا” ومختلف المنتمين إلى الاتجاهات اليسارية، واتهامهم بالإرهاب من دون تمييز أو تدقيق في صحة المعلومات، رغم أن رفض “الإرهاب الفردي” وبالأخص عمليات الاغتيال، يُعدُّ مبدأ من مبادئ اليسار الماركسي بشكل عام، لأنه يتسبّب بتحييد دور الجماهير في عملية التغيير.
 
حتى أن بعض وسائل الإعلام العالمية تناقلت الكذبة، معتبرة إياها “معلومات مؤكدة”، الأمر الذي يثير الضحك والخوف في آنٍ معاً، إذ يذكّر بكيفية تناقل وسائل الإعلام العالمية، بل حتى الرئيس الأميركي جو بايدن، الكذبة الإسرائيلية حول قطع رؤوس 40 طفلاً في كيبوتس كفار عزة باعتبارها “معلومات مؤكّدة”، وما نتج عن ذلك من تجييش ضد الفلسطينيين، وتبرير للقصف العشوائي الهمجي، وأعمال الإبادة الجماعية المستمرة حتى اللحظة. 
 
هذا التعاطي من قبل وسائل الإعلام العالمية مع الأحداث، يؤكّد ضرورة وضع مصداقيتها ومهنيتها موضع الشكّ.
 
ترامب هو الكاسب الوحيد من محاولة الاغتيال الأخيرة، سواء أتت على يد ديمقراطيين أم جمهوريين من الأقلية الجمهورية المعادية له، ممن يرون في فوزه بالرئاسة مجدداً تهديداً وجودياً للديمقراطية الأميركية، أو على يد شابٍ طائش يحاول إثبات نفسه في عالم ينبذه. 
 
لقد خسر كروكس حياته، في الوقت الذي أهدى فيه ترامب الفوز في الانتخابات الرئاسية، على طبق من فضة.
 
لقد اخترقت الرصاصة الجزء العلوي من أذن ترامب، لكنها أصابت الديمقراطية الأميركية، أو ما تبقى منها، في الرأس مباشرة. 
 
ولمحاولة الاغتيال هذه مفعولٌ عكسي تماماً، بل انتكاسي، لن تنحصر تداعياته بفوز ترامب وما يمثّله من اتجاه فكري وسياسي بالسباق الرئاسي فحسب، بل ستتعداه إلى تعبئة قواعد اليمين المتطرّف لممارسة أشكال مختلفة من العنف تجاه الخصوم الليبراليين واليساريين، إضافة إلى تهميش المعارضين في الحزب الجمهوري.
 
محاولة اغتيال ترامب لن تشدّ عصب مؤيديه انتخابياً فقط، بل ستشكّل ذريعة لتنظيمات يمينية متطرّفة ومسلّحة، شاركت جميعها في الهجوم على مبنى الكابيتول عام 2021، لارتكاب التعديات والانتهاكات وتأجيج الكراهية وأعمال العنف، ومن أقوى تلك التنظيمات: Proud Boys وهو تنظيم ميليشيوي نيو فاشي تأسس عام 2016، يدعو إلى ممارسة الإرهاب السياسي، و Patriot Prayer، و Oath Keepers وهما تنظيمان ميليشيويان، تأسسا عامي 2016 و2009، وشاركا في اشتباكات وتظاهرات مضادة ضد تجمعات يسارية، و The Three Percenters وهو تنظيم ميليشيوي أميركي/كندي تأسس عام 2008، تم حلّ معظم فروعه بعد هجوم الكابيتول عام 2021، وصنّفته الحكومة الكندية إرهابياً، لكن بعض فروعه في الولايات المتحدة لا تزال نشطة.
 
محاولات اغتيال ترامب تتوالى منذ عام 2016…بعضها خطير وبعضها الآخر هزلي
لقد شهدت الولايات المتحدة الكثير من أحداث العنف السياسي منذ عام 2016، من ضمنها عدة محاولات وتهديدات باغتيال ترامب، قبل فترة رئاسته الأولى وخلالها وبعدها، كان أبرزها الآتي:
 
في 18 يونيو/حزيران 2016، حاول شاب بريطاني يدعى مايكل ساندفورد، الاستيلاء على مسدس شرطي في حشدٍ انتخابي في مدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا، على بعد 9 أمتار فقط من المنبر الذي يعتليه ترامب، لكن تم إخضاعه على الفور واعتقاله، وأثناء التحقيق معه اعترف بنيّته اغتيال ترامب، وقال إنه كان “يتوقع فقط أن يكون قادراً على إطلاق رصاصة واحدة أو اثنتين قبل أن يُقتَل”، مع العلم بأن ساندفورد كان قد تم تشخيصه في سن الثالثة عشرة، بمتلازمة أسبرجر (شكل من أشكال التوحّد).
 
في 17 يناير/كانون الثاني 2017، سارعت شرطة شاطئ ميامي إلى اعتقال المدعو دومينيك بوبولو، على خلفية نشره فيديو على موقع تويتر آنذاك (الآن X) أعلن فيه أنه سيقتل ترامب أثناء التنصيب في واشنطن، علماً بأن والدة بوبولو كانت إحدى ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومذاك كرّس بوبولو حياته لتحقيق العدالة للضحايا، كما يقول بنفسه في مقال له عام 2005، وقد أخذ تهديده بقتل ترامب على محمل الجدّ لهذا السبب.
 
في 8 فبراير/شباط 2020، أوقفت عناصر الخدمة السرية رجلاً يدعى روجر هيدجبيث، هدّد بقتل ترامب طعناً بسكين كان في حوزته، ويزعم الضباط أن روجر توجه إلى مسؤول في الخدمة السرية خارج البيت الأبيض في واشنطن، وقال إنه كان هناك لقتل الرئيس، وقال المحققون إنه كان يحمل سكيناً طوله 3 بوصات ونصف ومسدساً فارغاً، وقد تم القبض عليه ونقله إلى المستشفى لتقييم حالته العقلية.
 
في 17 سبتمبر/أيلول 2020، اعترضت السلطات طرداً مسمماً مرسلاً من مواطنة كندية- فرنسية تدعى باسكال فيريير إلى ترامب، يحتوي على مادة الريسين، تم القبض على فيريير في سبتمبر/أيلول 2020 على الحدود الأميركية – الكندية، ووُجهت لها تُهم أخرى بإرسال طرود مسممة أخرى إلى مسؤولي سجون في ولاية تكساس، واعترفت فيريير بالتهم الموجهة لها، وحُكِمت بالسجن لمدة 22 عاماً.
 
في المقابل، فإن أبرز وأخطر محاولات الاغتيال بحق الديمقراطيين كانت في أكتوبر/تشرين الأول 2018، من قبل أحد أعضاء الحزب الجمهوري، وهو مؤيد متشدد لترامب، ويدعى سيزار سايوك، وقد اعترف سايوك خلال التحقيق معه بأنه مذنب في 65 تهمة تتعلق بأعمال إرهابية، كما اعترف بإرسال قنابل أنبوبية في طرودٍ بريدية إلى 13 شخصاً من منتقدي ترامب، بما في ذلك 11 مسؤولاً حكومياً، وقد حكم على سايوك بالسجن مدى الحياة.
 
هدية مجانية لترامب وقوى اليمين المتطرّف والشعبوي
تعدّدت المحاولات والتهديدات باغتيال ترامب، لكن آخرها في ولاية بنسلفانيا كان الأخطر على الإطلاق، ليس فقط من ناحية الإصابة (سنتيمتراً واحداً كان يفصل بين حياة وموت ترامب) بل أيضاً من حيث توقيتها وتزامنها مع تعزيز اليمين المتطرّف لمواقعه في البرلمان الأوروبي من جهة، وتعمّق انقسام الديمقراطيين حول بايدن، مقابل توحّد الجزء الأكبر من قاعدة الجمهوريين حول ترامب من جهة أخرى، وبالتزامن أيضاً مع صعود تيارات اليمين المتطرّف على أنواعها في الولايات المتحدة الأميركية والعالم منذ الأزمة المالية عام 2007.
 
للعنف أثمانٌ باهظة يدفعها الأبرياء،هذه المرة، سيتعاطف الكثير من الضحايا المحتملين في المستقبل مع الجلّاد القادم، سيحفر مشهد نهوض ترامب عن الأرض ووجهه ملطّخ بالدماء، ورفضه المغادرة بسرعة مع حرّاسه، ثم رفعه قبضته اليمنى، وهو يصرخ “قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا”، في أذهان الأميركيين الباحثين عن رئيس “قوي” قادر على قيادة البلاد، في الوقت الذي ينظرون بعين الشفقة والاحتقار إلى جو بايدن، معتبرين إياه “غير مؤهل” للقيام بمهام الرئاسة.