Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Feb-2019

مِن مهيمِن إلى مهيمِن..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

تتصور أفلام الخيال العلمي وضعا واحدا فقط يمكن أن يتوحد فيه العالم حقا على خير: التعرض لغزو فضائي تشنه كائنات فائقة القدرة والتطور. عندئذ، كما تذهب هذه التخيلات، تشترك جيوش “القوى العظمى” –أميركا، وأوروبا، وروسيا والصين غالبا- مع علمائها وقادتها في التصدي للقوة الغازية، وتكسب هذه الحرب في معظم الحالات بفضل هذا الاتحاد بالذات. ولأن هذه الأفلام تصنع غالبا في “هوليوود”، فإن أميركا، ممثلة برئيسها، هي التي عادة ما تقود وتنسق الجهد الحربي الوحدوي، وتكون العامل الأساسي في الانتصار وإنقاذ البشرية.
بطبيعة الحال، تعرض بقية شعوب العالم وحكوماته بشكل هامشي –غالبا في صورة أناس مرتعبين، يسقطون أو يهربون أمام الغزاة- دون أن يظهر من صوتهم أو عملهم غير الصراخ والسلبية. وهكذا، حتى في الوضع المثالي الذي يتصوره الخيال البشري الأكثر جموحا، سوف تكون أقدار العالم دائما في أيدي مهيمن متفوق، تنضم إليه قوى حليفة أقل هيمنة. ويعني ذلك أن المخيلة البشرية لا تستطيع-حتى في أكثر تصوراتها جموحا- أن تتصور شكلا يختلف جوهريا عن واقع العالم منذ وقت طويل، المرتب على فوضاه بما يدعى “النظام العالمي”، الذي تتغير ترتيباته بأفول القوة التي رتبته، ليأتي في محله نظام يديره مهيمن آخر.
كما يعرف هامش العالم، أي معظم العالم، فإن مفهوم “النظام” نفسه يكون في الحقيقة مقلوبا على رأسه عندما يؤله المهيمِن، صاحب القول الفصل في الخطاب. ولنتأمل “النظام العالمي الجديد” الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة. في هذا “النظام”، عنت الترتيبات الدولية تركيز القوة والثروة في أيدي المعسكر المنتصر في تلك الحرب، على حساب بقية العالم. وعنى “النظام” عمليا، بريادة قائده نفسه –الولايات المتحدة- شتى التدخلات الإمبريالية، والمظالم البشرية، والصراعات الدموية، وسرقة خبز الفقراء، وإحباط كل تطلع إنساني بذرائع تتقمص مبادئ الإنسانية.
في “النظام العالمي” الراهن، تحتفظ خمس قوى في العالم بحق تقرير مصير أي جهد دولي يقرر بدوره مصائر الناس الذين ليس لهم قرار، وفق ترتيب “مجلس الأمن” في الأمم المتحدة. وحسب الصلاحيات التي منحها المهيمنون لأنفسهم، فإن أيا منهم يستطيع بسهولة إحباط أي توافق عالمي حسن النية إذا تعارض مع مصلحته أو رؤاه، بمجرد رفع اليد والاعتراض “الفيتو”. ويستطيع المهيمِن على المهيمنين، الزعيم الأميركي صاحب المال والعضلات، أن يملي إرادته على مؤسسة الأمم المتحدة كلها بالتهديد بقطع التمويل. وبينما يصف صاحب الخطاب والمتحكم بتحديد الدلالات هذا النظام بأنه ليبرالي يسعى إلى تعزيز قيم الحرية والمساواة والعدالة، فإن تفسيرات هذه “القيم” تجير في الممارسة لجهة مصلحة المهيمِن. والتحققات دائما نقيض المعنى المطلق لهذه المفاهيم. وقد رأينا ذلك في “حرية العراق”، و”حرية أفغانستان”، و”حرية سورية”، و”ليبرالية” الأنظمة الاستبدادية المدعومة من الغرب، ومنح الحصانة وإضفاء الأخلاقية على مظالم صريحة، مثل كيان الاحتلال الاستعماري الصهيوني في فلسطين، من بين عشرات الأمثلة.
الآن، لا يعدم هذا “النظام” المحترف عمليا في إشاعة الفوضى وسفك الدماء، من يدافعون عنه في وجه ما يعتقد أنه نظام أجدد من “الجديد”، تجلبه القوى الصاعدة وعلى رأسها الصين. ويعدد هؤلاء المنظرون فضائل النظام الذي تقوده أميركا كضامن للاستقرار العالمي –بمعنى استقرار مصالح الغرب على حساب لا-استقرار البقية الواضح. ونحن، كالعادة، ليست لنا مداخلات، لأن ما نقوله –إذا قلناه- لا يسمعه أحد ولا يحدث عاطفة أو فرقا، مثل الذي يغني ليسلي نفسه وحيدا في صحراء.
في أحسن الأحوال، يمكننا أن نأمل في قدوم مهيمِن آخر فحسب، والذي ربما يكون أكثر رأفة، أو الذي ربما يجد له مصلحة في شيء من قبيل “استفد وأفد”. ولعل من المفارقات أن المدافعين عن نظام واشنطن يصفونه بأنه من هذا النوع بالذات، في مقابل “نظام بكين” الذي يصفونه سلفا بأنه تطفلي وأناني، بالتكوين. وهؤلاء المعقبون معذورون في الحقيقة. فهم في النهاية ينتمون إلى معسكر المهيمِن ويستمتعون بمزيتهم على البقية. أما نحن، جماعة المعسكر الكبير المهيمن عليه الذين ليس لهم قول، الذين لم نجد أي فائدة ولا نظام ولا أمن في هذا “النظام العالمي الليبرالي”، فما لنا سوى المشاهدة من الهوامش نفسها سقوط مهيمِن وقدوم سيد جديد!