الراي - هناك كتابات لا يمحوها الزمن، تبقى خالدة في مضامينها، تصلح للسياسة والتاريخ والاجتماع يقول ابن خلدون في مقدمته ( الظلم مؤذن بزوال العمران)، والظلم بشتى اشكاله خطر على الأفراد والمجتمعات والدول، ولذا نبه القران الكريم الى الظلم، واعتبر الظالمين خصماء الله سبحانه وتعالى، ويقول (ان القبيلة اذا قوي سلطانها–ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلة) ويتابع (الاستبداد يقلب موازين الأخلاق فيجعل من الفضائل رذائل ومن الرذائل فضائل)–وقد الف الكواكبي فيما بعد كتابا مهما سماه (طبائع الاستبداد )، لان المستبد لا يرى الا نفسه واستمرار وجوده، ومشكلة الناس اذا ألفت الاستبداد أصبح جزءا مقبولا من سلوكها، ويتعرض لعلاقة الحكم بالتجارة فيقول ( دخول الحكام والامراء الى السوق والتجارة والفلاحة وما شابهها مضرة عاجلة للرعايا- وفساد للجباية ونقص للعمارة )- وهي المقولة التي يؤكدها التاريخ لا اجتماع بين التجارة والإمارة–لان ذلك يمنع المنافسة ويؤدي الى الاحتكار ثم يقول (السيف والقلم–اداة بيد الحاكم يستعين بها على أمره–والحاجة الى السيف في نشأة الدولة وهرمها اكثر من الحاجة الى القلم )- وهذا يؤكد ان الدولة العميقة مستمرة حتى مع تغير الحكام–اما القلم- وهو الاعلام فهو الذي يقلب الحقائق ان ارادت السلطة، فلا يسمع الناس الا ما يرضي السلطة، ويغيب النقد البناء- ويفقد الاعلام دوره باعتباره سلطة رابعة–تصحح الخطأ وتصوب المسيرة–ثم يقول (الملك بالجند والجند بالمال- والمال بالخراج–والخراج بالعمارة–والعمارة بالعدل–والعدل باصلاح العمال–وإصلاح العمال باستقامة الوزراء)، وللتوضيح فإن الخراج كان يدر دخلا على الدولة اكثر من اي مورد اخر، وهي الضريبة التي كانت توضع على الارض والمحصول، وكان معمولا به قبل الاسلام وابقاه عمر بن الخطاب بعد فتح العراق بدواوينه وكتابه ولغته، وبقي حتى سنة مئه هجرية بنفس الموظفين واللغة، ثم يؤكد على ان الهوية القبلية المبنية على البداوة تعرقل استمرار الدولة، ويقول (اذا خشى الناس ان يسلب الظلم حقوقهم احبوا العدل وتغنوا بفضائله، فإذا أمنّوا وكانت لهم القوة التي يظلمون هم بها تَرَكُوا العدل) اي ان العدل بالنسبة لهم مرحلة وليست منهج او خلق–ويقول ( ان الخوف يحيي النزاعات القبلية والمناطقية والطائفية والأمن والعدل يلغيها)–(فإذا زال العدل انهارت العمارة وتوقف الانتاج فافتقر الناس– واستمرت سلسلة التساقط–حتى زوال الملك) (والعدل اذا دام عمّر–والظلم اذا دام دمّر)–التركيز هنا دائما على العدل والظلم–ويقول (السلطان والامراء لا يتركون غنياً في البلاد الا وزاحموه في ماله وأملاكه- مستظلين بالحكم)–ويتابع (لا عز للملك الا بالرجال–ولا قوام للرجال الا بالمال–ولا سبيل للمال الا بالعمارة- ولا سبيل للعمارة الا بالعدل- والعدل المنصوب بين الخليقة- والظلم لا يقع الا من أهل القدرة والسلطان)- ومن اهم شروط العمران سد حاجة العيش والأمن (اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) هي ثنائية متلازمة (الأمن والاقتصاد)–وغاية العمران هي الحضارة–والترف–فإذا بلغ غايته انقلب الى الفساد–وانتشار الفساد يدفع عامة الشعب الى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش وبداية شرخ يؤدي الى انهيار الدولة) وإذا عم الفساد كان بداية الفوضى إن لم يتم تداركه بالإصلاح (اما ايام الأمن والرغد فإنها تمضي سريعا–وأيام الجوع والحروب والفتن طويلة)–ولابد من عصبة تحمي