Friday 10th of October 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Oct-2025

الأردن يوثّق «جوهرة الصحراء»: وادي رم وجرش تحتضنان مشاهد فيلم دير سانت كاترين
الدستور - رنا حداد -
أنهى فريق «المحطة الأرثوذكسية الأردنية» تصوير الفيلم الوثائقي «جوهرة الصحراء: دير سانت كاترين»، وهو عمل فني وثقافي ضخم يسعى إلى تسليط الضوء على التاريخ العريق والأهمية الروحية لأحد أقدم الأديرة في العالم، دير سانت كاترين، الواقع في قلب صحراء سيناء، عند سفح جبل موسى.
الفيلم، الذي يُعد ثمرة جهد مشترك بين الكنيسة الأرثوذكسية الأردنية وعدد من المؤسسات الثقافية والفنية، يهدف إلى توثيق إرثٍ إنساني وروحي متفرّد. فالدير الذي تأسس في القرن السادس الميلادي، لا يزال إلى اليوم شاهداً على استمرارية الحياة الرهبانية التي لم تنقطع فيه منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، في مشهد نادر يجمع بين عبق التاريخ ونور الإيمان.
إرث إنساني وروحي خالد
يُبرز الفيلم القيمة الاستثنائية لدير سانت كاترين، الذي أدرجته منظمة اليونسكو عام 2002 ضمن قائمة التراث العالمي، تقديرًا لمكانته الفريدة على المستويين الروحي والثقافي. فالموقع لا يقتصر على كونه ديرًا أثريًا، بل هو مساحة تجمع بين القداسة والعلم والفن والتاريخ، إذ يقع بالقرب من جبل سيناء الذي تلقى عنده النبي موسى الوصايا العشر، وتُوجد في باحته العليّقة المقدسة التي اشتعلت بالنار ولم تحترق، رمزًا إيمانيًا خالدًا في ذاكرة الأديان السماوية.
كما يضم الدير إحدى أقدم المكتبات في العالم، تحتوي على ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات الدينية والتاريخية بعد مكتبة الفاتيكان، مما يجعله مركزًا علميًا وثقافيًا فريدًا يُحافظ على نصوص نادرة ومخطوطات تعود إلى قرون طويلة، وتشهد على حوار حضاري بين الشرق والغرب.
الرحلة التصويرية: من سيناء إلى الأردن
انطلق تصوير الجزء الأول من الفيلم في مصر، حيث وثّق الفريق مشاهد جوية وأرضية تُبرز جمال الطبيعة الجبلية المحيطة بالدير، وروحانية المكان التي تنعكس في وجوه الرهبان وسكون الصحراء.
وتضمّن هذا الجزء مقابلات حصرية مع رهبان الدير الذين فتحوا أبوابهم وعدسات الفيلم أمام الزوّار، ومع محافظ جنوب سيناء ومدير دائرة الآثار المصرية في المنطقة، الذين أكدوا على متانة العلاقة بين الدولة والرهبان في حماية هذا الصرح المقدس والحفاظ على إرثه الإنساني.
أما الجزء الثاني من الفيلم فتم تصويره في الأردن، وشمل مقابلات وثائقية مع آباء كهنة وراهبات وباحثين مختصين في التاريخ الكنسي والتراث الروحي. وُظفت هذه المقابلات لتقديم قراءة معمقة لمعاني الإيمان والالتزام الرهباني، وكيف يربط دير سانت كاترين بين الماضي والحاضر في مسيرة الكنيسة الأرثوذكسية.
مشاهد درامية تحاكي الإيمان والتاريخ
وجاء الجزء الثالث من الفيلم ليضيف بُعدًا بصريًا ودراميًا مميّزًا، إذ صُوّر في وادي رم ومدينة جرش الأثرية، بالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام.
هذا الجزء حمل روح الدراما التاريخية من خلال إعادة تمثيل مشاهد مستوحاة من قصة النبي موسى وبعض المحطات في حياة القديسة كاترينا، التي استشهدت في القرن الرابع الميلادي بعد مناظرات فكرية مع فلاسفة الإمبراطور مكسيميانوس. جسّد الممثلون تلك اللحظات بروح إيمانية عالية، تعكس الصمود في وجه الاضطهاد وسعي الإنسان نحو النور والمعرفة.
شارك في أداء الأدوار عدد من أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الأردنية إلى جانب فرق فنية متخصصة في الديكور والملابس التاريخية والإضاءة، ما أضفى على العمل طابعًا فنيًا متكاملًا يجمع بين الدقة التاريخية والجمال البصري.
كما أسهمت فرق الإنتاج في إعادة بناء المشاهد الرومانية القديمة، مستعيدةً أجواء القرون الأولى للمسيحية بطريقة تحترم قدسية الموضوع وتخاطب حسّ المشاهد المعاصر.
جهد جماعي بإشراف المطران خريستوفوروس
أشرف على العمل صاحب السيادة المطران خريستوفوروس، مطران الأردن للروم الأرثوذكس، الذي عبّر عن فخره بهذا المشروع الرائد، ووجّه كلمة شكر إلى جميع المشاركين من ممثلين وفنيين وأبناء الكنيسة، مثنيًا على الجهود الكبيرة التي بُذلت لإنجاز هذا العمل الذي يجمع بين الرسالة الروحية والإبداع الفني.
وقال المطران خريستوفوروس إن الفيلم يمثل «جسرًا بين الإيمان والثقافة، وبين التاريخ والإنسان المعاصر»، مشددًا على أهمية توثيق الأماكن المقدسة التي تُشكّل جزءًا من التراث الروحي المشترك بين الشعوب.
كما قدّم فريق العمل شكره إلى وزارة السياحة والآثار الأردنية والهيئة الملكية للأفلام وجميع الداعمين والمتطوعين الذين ساهموا في إنجاح هذا المشروع الفني والثقافي، مؤكدين أن هذا التعاون الأردني–المصري يجسد وحدة الرسالة الإنسانية المشتركة التي تدعو إلى الحوار والسلام.
عرض منتظر في عيد القديسة كاترينا
من المقرر أن يُعرض الفيلم كاملًا خلال عيد القديسة كاترينا في شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ليكون بمثابة تحية سينمائية إلى هذا الموقع المقدس الذي يجمع بين الأديان السماوية الثلاثة، ويُعد شاهدًا حيًا على روح التسامح والتعايش.
يحمل «جوهرة الصحراء» رسالة تتجاوز حدود المكان والزمان، إذ يُعيد التذكير بأنّ في قلب الصحراء ما زال هناك نور يضيء دروب الإيمان، وأنّ الفن قادر على أن يكون وسيلة لحفظ الذاكرة والروح معًا.
فمن خلال الكلمة والصورة والموسيقى، ينسج الفيلم وثيقة بصرية تُخلّد تاريخًا من السلام، والعلم، والتقوى، والجمال، لتبقى سانت كاترين – كما أرادها صانعو الفيلم – جوهرةً مضيئة في صحراء العالم.