Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Oct-2018

اميركا ما بين الانعزال وإعادة الهيمنة - المحامي ناصر السعدي

الراي -  السياسة الخارجية الأميركية لم تكن يوماً ثابتة، بل تنتقل من مبدأ إلى آخر حسب الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها، ومنذ عهد الاستقلال عام 1783 وحتى الحرب العالمية الأولى مارست سياسة الانعزال تحت «مبدأ أميركا للأميركيين» والذي نادى به الرئيس الثاني مونرو، وكان نابعا من دوافع أمنية واقتصادية لإعادة ترتيب البيت الداخلي باعتبارها لا تستطيع مقارعة الدول الكبرى آنذاك؛ لاسيما بالقارة الاوروبية، وحتى بعد تدخلها الحذر والمحسوب بتلك الحرب لم تتبع سياسات الانفتاح على العالم أو الانحياز سواء الإيجابي أو السلبي، مما حقق لها ميزة في تلك الحقبة التعاطي مع كافة الفرقاء اقتصادياً وسياسياً، والذي أدى بدوره لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية إلى أن جاء استحقاق الحرب العالمية الثانية، والتي سعت بدورها إلى ممارسة دور الوسيط بين الفرقاء، تحت مبدأ أطلق في ذلك الزمان» السلام بدون النصر « إلى أن ذلك الحال لم يدم وما لبثت أن انخرطت لصالح الحلفاء بعد أن حصلت الحكومة بالبيت الأبيض على تفويض شعبي واسع النطاق بعد واقعة ميناء بيرل هاربر، وكان تدخلها له دور حاسم بتلك الحرب وكانت أحد أبرز المساهمين في الانتصار على دول المحور الذي توجه سقوط برلين وكان هذا الحدث تدشيناً للانتقال إلى مرحلة الانفتاح وتجاوز الأطلسي الذي يعتبر الحاجز الطبيعي كخط دفاع أولي عن اليابسة الأميركية التي تفصلها عن العالم القديم....

خرجت الولايات المتحدة الأميركية من الحرب العالمية الثانية صاحبة أفضلية عسكرية واقتصادية عن قريناتها من الدول الأوروبية؛ متخطيةً كلاً من بريطانيا وفرنسا ومشتركة بزعامة العالم مع الاتحاد السوفيتي الشيوعي المناهض للرأس مالية والفردية.... وازداد انفتاحها على العالم أكثر... وتفرد الولايات المتحدة على الساحة الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات من القرن المنصرم، حتى وصل تعاظم الهيمنة الأميركية إلى حد الذروة بعد أحداث سبتمبر 2001 مطلع القرن الحالي، تعاظم تفردها بالعالم بلا منازع وقد أعادت هيكلة بعض المفاهيم المتعارف عليها والسنن الدولية أحدها الخروج عن اجماع المجتمع الدولي باتخاذ القرارات خارج مؤسساته وفي مقدمتها مجلس الأمن والشاهد الناطق هو دخولها في حرب شاملة على العراق بدون إيجازات مسبقة من مجلس الأمن...
وفي عالم السياسة تمارس هيمنتها على الدول؛ للتقدم على الصعيد الدولي، من خلال الأسس التالية:
أولاً: تعزيز الجهود خارج النطاق المعتاد لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، الذي بدوره ينتج عنه تقدم في مجالات حيوية مثل الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ومن خلال هذه الأدوات تحقق السيطرة وتعزز قبضتها على دول العالم؛ لتصبح مثالاً يحتذى به وقبلة لهم لكل من يطمح للتقدم والإزهار.
ثانياً: إذا فشلت في خيار التقدم الاقتصادي والاجتماعي في تحقيق الهيمنة على العالم أو جزءاً منه، تطرح الخطة البديلة وهي إشغال الدول في أزمات اقتصادية من خلال سياسات الحصار الاقتصادي وإثارة القلاقل والوفوضى الداخلية وإشعال فتيل الأزمات فيما بين تلك الدول وصولاً–إذا تطلب الأمر–بالتدخل العسكري المباشر منها، كما حدث في العراق والهدف من كل ذلك تباطُؤ في التنمية وهدم ما حقق من مكتسبات.
الولايات المتحدة–اليوم–استحضرت مبادئ جديدة كعادتها، وهي التراجع والانعزال إلى ما خلف الأطلسي؛ قائماً على أساس الانفتاح على الخارج تحقيقاً لمكاسب داخلية مطلقة، وتعزيز الاهتمام بشؤونه الداخلية التي لطالما طالب بها الجمهور الأميركي، وهذا المبدأ ينادي بالاهتمام بالشؤون الخارجية -ليست بلا مقابل كما كان في السابق- من خلال أساس التوسع بالهيمنة وتحقيقاً -ليس مكاسب لحلفاء أميركا بشكل مطلق- لغايات المصالح القومية الداخلية، وأن تأتي كتأثير جانبي من هذا التدخل مكاسب للحلفاء.
جاء اليوم الذي تتنكَّر فيه الولايات المتحدة لحلفائها، والشاهد بذلك التحلل من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وتعرف اختصاراً بـ (نافتا)، والموقعة -كما هو معروف-مع جارتها الوحيدة في الشمال والمؤتمنة على حدودها الشمالية كندا، وقبلها اتفاقية باريس التي ضربت بها حلفاءها التقليديين (الأوروبيين)، ولحقها صفعةً أخرى بالخروج من اتفاقية الشراكة والاستثمار عبر الأطلسي لذات الحلفاء، ولم يكن مفاجئاً خروجها من الاتفاق النووي الإيراني، وهو أحد أهم الوعود الانتخابية للرئيس ترمب...
السياسة الأميركية الخارجية تسير على مبدأ تعظيم مستوى الحضور بالعالم، إلى جانب السيطرة المستمرة بأقل التكاليف؛ بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك الانفتاح المحسوب بصوره، سواءً بالتدخل السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو فتح قنوات الحوار ورفع الحصار والمقاطعة مع دول الخصوم والأصدقاء على حدٍ سواءْ، ولكن مدفوع الثمن... وبهذا المبدأ اختلطت فيه المفاهيم ما بين العدو والحليف بشكل لم يسبق لها مثيل على صعيد السياسات الدولية.