Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Aug-2018

ولو كنتم لغمًا أرضيًا دسناكم* رمزي الغزوي
ولو كنتم لغمًا أرضيًا دسناكم* رمزي الغزوي
الدستور - 
 
من قال إن الشهداء يغيبون عن أهلهم رمشة عين أو أدنى، أو سيخلو كلامنا من عطرهم، أو ستطويهم ظلمة المجهول، وتمحى أسماؤهم من دفاتر الحياة والحب؟. إنهم سيكبرون فينا كما تكبر زيتونة مدللة في حوش الدار، ويشمخون كحورة جموحة على كتف وادي. هم زغرودة لصبية في العشرين من العشق، أو دمعة خافتة في حكايات الأمهات لأطفالهن عند عتبات النوم.
لا أريد أن أتفقد رأسي حتى لو صرتُ نخلة تنطح جموح السحاب، أو صرت شجرة زيتون تهزُّ أعنة الريح بأغصانها الطرية، بل سأرفعه أعلى وأعلى وأشمخ ما استطعتُ. ولا أريد أن أكبت بيدي دفة صدري؛ فقلبي لن يفرَّ مذعوراً محموماً من قفصه كقطيع من الغزلان أو الحملان، قلبي بركان يتلمظ نزقاً، ويقطر ناراً.
ولا أريدني أن أكتب قصيدة رقيقة تبكّي حجارة الفلاء، وحيطان البيوت وحمام البساتين. بل سأغني للحياة وأزمجر رعداً ومطراً لورود ستكبر. سأغني للمجد المبثوث في عين الشهيد لحظة قتلَ الموت وانتصر عليه. سأغني لكلمات والد شهيد يقول: كل دار تحتاج سوار. والشهداء سوار الوطن. سأغني للعز الذي قشعر بدني في زغاريد النشميات لحظة حمل جثمان الشهيد على الأكتاف. نحن قوم لا نقدم للجنان شهداءنا إلا كما نزف العريس.  
لا عليك يا وطني هم ما عرفوك، وإلا ما فكروا في عداك، ومن يستعدي كريماً لعمرك يندمِ. هم ما عرفوك، فليس كل طير يؤكل لحمه، فالذي لا يعرف الصقر قد يجازف ويشويه. هيهات هيهات، لحمنا العلقم، ودمنا الحنظل، ولو كانوا لغماً أرضياً دسناهم، ولو كانوا (سم الموت)؛ سنجرعهم وما قطب لنا جبين.
جاء في حكايات العرب أن طائر الفينيق الأسطوري العريق لا يفنى ولا يغيب ولا يتلاشى، بل إن حان الموت احترق بكبرياء، وعنفوان، ثم نهض من رماده طائر فينيق جديداً يحلق في سماوات الحياة خالداً في سفر الأكوان والأمجاد. وبمثل هذا يتجدد الوطن بالشهداء. يرقدون في رماد الأرض لنحلق في سماء المجد من جديد. 
فيا شهداءنا. يا الأكرم منا جميعا، سنزفكم بالبارود الصادح وبالقلب الضابح. بالزغاريد المبحوحة بلكنة الدموع. وأمهاتنا كلهن أمهاتكم، وآباؤنا آباؤكم. سنرشكم بالورد محبة للحياة والسلام، وبالملح كي نجمر قلوبَ المارقين ونطفئ عيونهم.