Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2019

الإيقاع في مجموعة الشاعر محمد خضير «قلب قزح»

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة

محمد خضير شاعر وفنان تشكيلي يرسم بالكلمات، كما يرسم بالفرشاة والألوان، فهو يتنقل في الكتابة بين واحة الشعر وغابة الألوان، فمن الطبيعي أن يلتقي الفنان:فن الشعر، وفن الرسم في مجموعته «قلب قزح» (عمان: دار دجلة، 2014م). وقد التفت الشاعر حميد سعيد في تقديمه المجموعة إلى هذه الحقيقة المعروفة عن الشاعر، فعاين تأثر قصائده بفن الرسم؛الذي يشترك مع الشعر بالصورة؛ فلا يخلو أي شعر بل ليس شعرًا ما يخلو من التصوير؛ فالشعر كما يقول الجاحظ» جنس من التصوير». لهذا لا غرابة أن نجد هذه السمة بارزة عند الشعراء، الذين جمعوا بين الرسم والشعر من جبران خليل جبران وجبرا إبراهيم جبرا إلى محمد العامري.
إذا كانت هذه السمة بارزة في مجموعة خضير الشعرية،فإنها لا تتبلور، لتكون شعرًا، دون فاعلية حركية، أي دون توافر الإيقاع، الذي يبعث الحياة في النص الشعري، ويدفع المتلقي إلى التفاعل مع النص حزنًا أو طربًا. إن الإيقاع ضروري لكل فن، بل لكل جانب من جوانب حياتنا الاجتماعية والعاطفية. ولعل همنا هنا هو معرفة كيف تجسد الإيقاع، بل كيف تجسد الشعر في مجموعة» قلب قزح».
إن الإيقاع في المجموعة يتخذ وجهتين: وجهة في الشعر العمودي، ووجهة أخرى في شعر التفعيلة، أو ما يسمى بالشعر الحر. فنلاحظ الإيقاع الخارجي،الذي يتمثل في المحافظة على الوزن والقافية والروي  في قصائد كثيرة من المجموعة،وهو يظهر ليس في وزن البحر الشعري حسب بل من خلال مجموعة من الأساليب، والصور، والرموز، والظواهر الصوتية المختلفة أيضًا. ويمكن التمثيل على ذلك بمعاينة الأبيات الآتية من قصيدة» غيض الكلام»:
أودعت صدر الأرض ملح قصائدي
فهمتْ على صدر القوافي سكرا
فاضت به الأحداق حتى إنها
من فرط جوع العين سالت أنهرا
ناظرت في (الأرض اليباب) قصيدتي غيض الكلام وما استويت على الثرى(ص 22-23)
نلاحظ فضلًا عن التزام الشاعربوزن بحر الكامل، وبالقافية والروي بأنه يستعين بالتكرار الصوتي لحرف المد الألف المفتوحة، وحرف التاء، والتكرار اللفظي لكلمة صدر، والموازنة بين الفعلين: فاضت وسالت. والشاعر يوظف هذه العناصر الإيقاعية ليمتدح شعره، الذي يحلق به بعيدًا في الفضاء، بل إن قصيدته «غيض الكلام» التي منها هذه الأبيات تناظر قصيدة «الأرض اليباب» لـ ت. س. إليوت. ولعل أنفاس المتنبي تتردد في ثنايا القصيدة وموسيقاها، وبخاصة في قوله:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي  
إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدا
إذا كانت البنية الموسيقية لهذه القصيدة بإيقاعها الداخلي والخارجي تنمو وتتوالد من أجل تقديم المعنى،وهو امتداح الشاعر لشعره، فإننا نجد بعض الأبيات في قصائد غيرها يضطرب فيها الإيقاع الداخلي بسبب الحرص على الوزن الموسيقي،مما يفقدها التناغم، وبالتالي ضياع المعنى أو تعقيده، كما في قولالشاعر من قصيدة» وحيدًا»:
ها نحن ذا بعد اجتماع ضمنا   
أمشي وقلبي ما لنا غيري معي(ص26)
نلاحظ أن الوزن الموسيقي لم يستطع إنقاذ المعنى من الغموض والتعقيد؛ بسبب هذا الإيقاع الداخلي المتعثر،من جراء ضعف بناء الجمل، وتداخل الكلمات، واضطراب ضمائر المتكلم؛فلا ندري من المتكلم في هذا البيت الأنا أم نحن؟كما لا نصل بسهولة إلى المعنى الذي يريده الشاعر،وهو التعبير عن إحساسه بالوحدة والغربة عن الآخرين.
في قصيدة  «قلب قزح»، التي حملت المجموعة عنوانها تبدو الغنائية ثقيلة كما في الأبيات الآتية:
لو كان يدري أن خاتمة الهوى
صنارة للوهم فيها قد علق
لاستنفر الأنات في صدر الجوى
ولأمعن التفكير فيمن قد وثق
ما ضر قلبي لو بقيت كما أناروحًا تماهى في النشيج ليختنق (ص43-44)
نلاحظ ثقل هذه الغنائية بأن قافيتها تختنق بتسكين حرف الروي القاف،وتغرق كلماتها بالتكرار الصوتي لحرفي القاف والكاف،اللذين لا يخلو أي بيت من القصيدة من اجتماعهما معًا، ممايجعلان الإيقاع ثقيلًا مملًا، يضاف إلى ذلك تكرار استخدام كلمة «قد»لإكمال الوزن. كل هذه الظواهر أضرتبالمعنى، ولم تترك للوجدان حرية التجاوب مع الموسيقى.
إذا ما انتقلنا إلى قصائد الشعر الحر أو التفعيلة في مجموعة خضير نجد الإيقاع يسير دون نتوءات أو زوائد لفظية؛فيصل المعنى إلى القارئ بإيحاء لطيف، وبحس إنساني شفيف طافح بالحب، والعواطف الملتهبة. مثلما نجد في قصائد: «أوهام»، «ننسى حين نحب»، «نشيد البحر»، «حب لقيط»»، من سواك؟»» صبرا»، «نرجسية فراق». ولنضرب مثالين على ذلك:المثال الأول قصيدة «أوهام»، والثاني أبياتًا من قصيدة «من سواك؟» تقول قصيدة «أوهام»:
أحلامنا
وهم الخرافة
إذ رواها عابر شق الظلام
أسماؤنا..أشلاؤنا
وهم الحكاية
إذ براها قاتل ذبح الحمام(ص19)
نلاحظ أن هذه القصيدة، رغم قصرها تقوم على ظواهر إيقاعية تساهم في بنائها وتحقيق معناها، ففضلًا عن انتظام وزن تفعيلتها «متفاعلن» وقافيتها: الظلام والحمام، فنجد الموازنة بين الكلمات: أحلامنا، أسماؤنا، أشلاؤنا، والخرافة والحكاية،وتكرار كلمتي: إذ ووهم، والتوازن بين صيغة اسم الفاعل عابر وقاتل، والتجانس بين رواها وبراها، وتوازن الجملتين: إذ رواها عابر شق الظلام، إذ براها قاتل ذبح الحمام .ونصل إلى المعنى من خلال هذه البنية الإيقاعية فنجد أن الأحلام لن تتحقق وتظل في عالم الخيال مثل الخرافة، وأن حياتنا مهددة بتسلط سكين القتلة على الرقاب.
أما الأبيات التي اخترناها من قصيدة «من سواك؟ «فهي:
من سواك يلم بعضي
إذا تناثر في المنافي والشتات
ومن سواك يعيد شكل الأغنيات
ومن سواك
يقود ليل المتعبين إلى النهار
بركب كف أو دعاء.
يا وجه أمي يا بلاد الأنبياء(ص65)
يرتكز الإيقاع في هذه الأبيات على تكرار صوت المد الألف والهمزة والتقارب الصوتي للكلمات: الشتات والأغنيات، ودعاء وأنبياء، ثم تكرار اللازمة «من سواك؟» فالذات الشاعرة تخاطب الأم، وتجعل منها رمزًا للوطن الذي يحقق الوحدة المادية والمعنوية بين أبنائه.إنه يسقط صفات الأم في صورة واضحة على وطنه في نهاية الأبيات، ليكشف بأن علاقته بوطنه هي علاقة عاطفية كعلاقة الولد بأمه، ودينية مرتبطة برسالات السماء، في إشارة إلى الأرض المقدسة فلسطين» يا وجه أمي يا بلاد الأنبياء». ولعل رمز الأم للوطن يذكرنا بقول بدر شاكر السياب في قصيدة «غريب على الخليج»وهو يشبه غربته عن العراق بغياب أمه، يقول:
هي وجه أمي في الظلام
وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
لا شك في أن العناصر الإيقاعية في الأبيات السابقة أكسبتها انسيابية في الغنائية، وعمقًا في المعنى.
كانت تلك إطلالة على الإيقاع في مجموعة «قلب قزح» للشاعر محمد خضير، وبرز فيها اهتمام شاعرنا بتنوع الإيقاع سواء في قصائده العمودية أو التفعيلية. وإن كان يأتي حادًا في القصائد العمودية فإنه يأتي هادئًا شفيفًا في قصائد التفعيلة.وقد ساهم هذا التنوع في إظهار المعاني التي تتغنى بالحب، وتمجد المواقف الوطنية النبيلة، وتدافع عن المظلوم أنى كان. ولعل اهتمام الشاعر بإيقاع قصيدة التفعيلة دون إهمال للقصيدة العمودية يدل على توجهه القوي نحو التجديد الشعري انطلاقًا من فهم الشعر التقليدي واستيعابه.