Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2019

حفيدة مُختار «بِعْلِـين» المُدمّرة ترسم ملامح حياتها

 الدستور– محمـد الرنتيسي

رسمت زينب حسن جوابرة، تفاصيل قرية بِعْليِن المُدمرة عام 1948، وباحت بشكل بيوت القرية، وملامح بساتينها وشوارعها، وأبرز عاداتها وتقاليدها، ولحظات الاقتلاع القاسية منها.
وسردت خلال لقاء نظمته وزارة الإعلام الفلسطينية، واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، بمحافظة طوباس والأغوار الشمالية: كان بيت جدي المختار جبر من عدة غرف متجاورة طينية ومسقوفة من قصب وادي البرشين القريب من تل الصافي، وفي قلبه ساحة كبيرة، فيما سكنته أربع عائلات، وقبل وقت قصير من النكبة رممته العائلة، التي كانت تجتمع على مائدة واحدة، في منزل تعلوه عدة أقواس، واعتاد الرجال السمر في ديوان المختار أمام كانون النار والقهوة، فيما كان الشبان يلهون بورق اللعب «الشدّة»، أما النساء فيتفرغن لواجبات المنزل، وخصص سيدي المختار مربطاً لخيول ضيوفه.
ديوان وجيران
واستذكرت الحاجة زينب المولودة عام 1941: لم يكن ديوان جدي يفرغ من ضيوفه، وحين يغيب تؤدي جدتي صفية الواجب، فتكرم الضيوف، ويساعدها عامل يترك مؤقتًا العمل في الأرض.
وبحسب جوابرة، كانت مساكن القرية متراصة، ومبنية بشكل دائري، ووسطها ساحات وممرات ضيقة، فيما سطوحها متراصة ومسقوفة بالطين والقصب، ولم يكن يصعد لها الرجال لترميمها قبل الشتاء، إلا بعد إذن من الجيران، لعدم الكشف عن النساء، أما محيط البيوت فكان بساتين وكروم العنب والمشمش والتين، واختصت القرية بالسمسم والقمح والذرة البيضاء، التي كانت تصير خبزا يُسمى «الكراديش».
وتابعت: كنا نحُضر الشعيرية المحمصة مع السمن والسكر، والهيطلية، وجريش القمح، والدجاج المحشي. أما مدرسة القرية فغرفة واحدة يُصعد إليها بست درجات، وكان فيها المُعلم محمد شتات، ولم تذهب البنات إليها.
سر «المفروكة»
ومما لا تنساه، كيف أن جدتها الحاجة صفية، كانت تحرص على إكرام ضيوف المختار، وفي ذات مرة، قدم غرباء كانوا يحصون السكان، فنادت فور مشاهدتهم الراعي ليذبح خاروفاً، لكنهم طلبوا منها أن تكتفي بتجهيز طبق المفروكة، وهي بحسب الراوية: عجين قمح خير مُختمر، يوضع في الكربالة ( وهي وعاء دائري يشبه الغربال، بثقب أكبر أسفله)، ثم يُفرك وهو ساخن ليصبح منفصلاً، ويخلط بالحليب وسمن البقر البلدي، ويضاف له طبقة من العسل الحر والسمسم المحمص، ويقدم في أوعية نحاسية اسمها «أناجر»، ويحضر كله في الطابون.
ووالت: كل طعامنا كنا ننتجه في القرية، ولم نكن نحتاج إلا للملابس التي نشتريها من الفالوجة، وكنت أشاهد أمي وجدتي ونساء بعلين، وهن يصنعن الزبدة والسمن، والكشك «القمح المجفف والمجروش المنقوع باللبن»، والزبيب، والقطين، والملبن، والمربى.
وتبعاً للراوية، فإن أبرز الطقوس التي كانت شائعة في بعلين، الواقعة أقصى الشمال الشرقي من قضاء غزة «التعزيب» في كروم العنب، إذ يذهب الرجال والنساء لقطف محاصيلهم، ويصنعون المربى والدبس والملبن، فيما يتركون امرأة وحيدة في المنزل لتحضير الطعام، وبخاصة الزغاليل المحشوة بالفريكة، واللحاق بهم بعد تجهيزها.
أرض وماء
واستذكرت أسماء أراضي بلدتها «الغربية»، و»أم المطامير»، و»الخانة»، و»التل»، واسترسلت: وكنا نذهب إلى بئر الماء من البلدة، وكان عليه جمل يسحب الماء، والسّقا كان محمود مصطفى درويش، وكانت النساء ينقلن الماء بجرار الفخار على رؤوسهن، أما أنا فكنت أحمل في حضني جرة صغيرة، وجاورتنا قرية تل الترمس «بلد والدة زوجي»، والمسمية «قرية أمي فاطمة»، والجسير، وتل الصافي.
وقالت: كانت أزياء القرية الأثواب السوداء المطرزة بالأحمر، وللرأس غطاء أبيض يسمى»الغُدقة»، وكنا ننسجها بأيدينا، ونتعلم التطريز في سن مبكر، وكنت أمضي أكثر من شهرين لتطريز الثوب، الذي يصمد أكثر من 20 عاماً.
انقلب حال بعلين 1948، حين خرج الأهالي نحو كرومهم، لكنهم سرعان ما رحلوا من أطراف القرية، واختارت عائلة جوابرة الذهاب نحو «دير الغربان» عند عمتهم، وما أن وصلوها إلا وجدوها تستعد للرحيل، فخرجوا معهم قاصدين الخليل.
ضياع وعقارب
كانت زينب تمسك بثوب أمها من جهة، وشقيقها عوني الذي يكبرها بسنتين من أخرى، وحملت أختها نظمية على رقبتها، وأستقر الأخ الأصغر الرضيع محمد (20) يوماً في حضنها، وأخذت العائلة تسير وسط الظلام، دون أن تدري أين تذهب، إلى أن فقدت عوني.
واستردت بحرقة: سألتني أمي عن أخي، فقلت لها إنه يمسك بثوبها، فلم تجده، وصارت تصرخ وتقول ضاع عوني، وسمعنا جوابًا من بعيد، يقول إن عوني مع جارتنا أم يوسف. وفي الصباح لحقنا أبي، بعد أن انتهت ذخيرته، ورجع للبحث عن أخي، ولم نجده إلا بعد 3 أيام، ووصلنا لبيت جبرين، ثم أخرجونا منها، وواصلنا المشي إلى ترقوميا وأذنا، ثم إلى الخليل، وأقمنا في حلحول شهراً ولم نجد ماءً، وانتقلنا لعقبة جبر ولم نجد خياماً، وجلسنا في العراء، وانتشرت العقارب، وتوفي الطفل مصطفى إسماعيل بلدغة منها، وصار الناس يشتكون، وحين جاء مسؤولو الوكالة، رأيتهم وهم يُنزلون خيوطًا في شقوق الأرض، لتخرج بعقربين، وخرجنا من العوجا إلى الفارعة بانتظار العودة، ولو إلى قبر في بِعْليِن.