Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Feb-2019

ما الذي تريده روسيا في سورية؟*رومان حداد

 الراي

مع الهدوء المصطنع الذي يطغى على الساحة السورية توجد مساحة للتفكير المتأني بالسؤال حول ما تريده روسيا في سورية، وهو ما يتطلب قراءة الموقف الروسي من الأزمة السورية منذ بدايتها.
 
ويظهر من بداية المشهد أن ما دفع روسيا لاتخاذ قرار المشاركة الحربية هو عامل استراتيجي أساسي في الموقف الروسي وهو كسر، ما تعتبره النخبة الروسية، (الجمود الاستراتيجي)، وهو، كما تراه النخبة الروسية، الذي أبقى روسيا تابعة للقواعد والهيمنة الغربية في القضايا العالمية والإقليمية أيضاً، لفترة طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما أدى إلى تضييق وتقييد سلطة روسيا السيادية محلياً وإقليمياً ودولياً.
 
ولذلك، فإن القصد الاستراتيجي من موقف روسيا تجاه الأزمة السورية، بما فيه القرار الروسي بالتدخل عسكرياً بالأزمة السورية، هو كسر هذا الجمود بأي ثمن تقريبا، حيث كان مركز القرار الروسي أمام خيارين لا يبدو أي منهما سهلاً، فإما أن تتدخل روسيا عسكرياً ووتورط في الحرب الأهلية السورية، بكل ما يملكه العقل السياسي الروسي من ذكريات سيئة في أفغانستان، وما يتيحه التدخل لروسيا كي تصبح اللاعب المحوري والرئيس في الأزمة السورية، أو الخيار الذي يبدو آمناً عن بعد، وهو إبقاء الدعم السياسي والاقتصادي دون الدخول في معترك الحرب، وهو وإن كان يحمي روسيا آنياً إلا أنه لا يعطها الفرصة التي قد لا تتكرر لتكون اللاعب الرئيس في أبرز أزمة في الشرق الأوسط، والتي قد تكون بوابة حقيقية لإعادة رسم المنطقة والنفوذ الدولي فيها في آن معاً.
 
وذلك ما دفع روسيا بكامل إرادتها السياسية والعسكرية للتدخل العسكري في سورية.
 
ولأجل تحقيق هدفها الاستراتيجي فإن روسيا دخلت المعركة وأمامها أهداف عدة يجب أن تحققها، وأبرزها الحفاظ على سورية كدولة موحدة وعلمانية، وحماية النظام السوري من الانهيار، إظهار القدرة الروسية على كسر المظلة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة عبر إثبات القدرات العسكري الروسية في ساحة المعركة، وهو ما دفع روسيا لاستخدام بعض أكثر الأسلحة الروسية تقدماً، حيث يبعث الرئيس فلاديمير بوتين رسالة للعالم بتدخله في سورية مفادها أن روسيا لا تزال قوة يعتد بها على الساحة الدولية، وخصوصا بعد الإطاحة بحلفاء مثل صدام حسين ومعمر القذافي، كما أن العمليات الروسية في سورية وعمليات استعراض الأسلحة من طائرات وصواريخ وأنظمة عسكرية يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي.
 
ولا بد من حماية الأمن القومي الروسي من خلال القضاء على العديد من الأعداء المحتملين المتطرفين الإسلاميين الإرهابيين الذين من الممكن عودتهم إلى روسيا، حيث كانت التقديرات إلى أن مايقارب 5000 مقاتل من داعش هم من مواليد روسيا وموجودون في سورية والعراق، وأخيراً منع جماعات التطرف الإسلامي كداعش أو مجموعات مماثلة لها من الانتشار السريع في آسيا الوسطى.
 
وهو ما أكده ديمتري مدفيديف رئيس وزراء روسيا حين قال: «نقوم بحماية الشعب الروسي من التهديد الإرهابي لأنه من الأفضل فعل ذلك خارج حدود بلادنا»، مشيرا إلى أن روسيا «للأسف، تملك خبرة صعبة جدا في محاربة الإرهاب"
 
وكما يقول فلاديمير سلوفيوف المعلق الرئيس في تلفزيون «روسيا 1» المقرب من الكرملين إن الحرب في سورية تبعد ما يقارب ألف كيلومتر عن الحدود الروسية، وبالتالي هي ليست حرباً بعيدة كما يحاول كثيرون أن يروها، وهو ما يؤكد المقولة الروسية الخاصة بالحرب في سورية وهي نحارب الإرهاب هناك (في سورية) كي لا نحاربه هنا (في روسيا).
 
وساعد التدخل العسكري الروسي في سورية رفع الدعم للرئيس بوتين داخليا، حيث أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وتدني أسعار النفط دفع الملايين من المواطنين الروس للدخول في الطبقة الفقيرة، وأن العمليات في سورية تشغل الناس عن الأوضاع الداخلية وترفع الاعتزاز بالوطنية.
 
وكما يقول الإعلامي الساخر فيكتور شيندوروفيتش إن الحرب في سورية هي صورة مثالية، انفجارات وطائرات، هذه مشاهد مثيرة جدا للمشاهدة، فطائراتنا (ميج) و(سو) تقصف كل شيء، وهو ما يجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر ثقة، حتى أنهم لا يريدون التحقق ما لديهم في الثلاجة.
 
واستطاعت روسيا بتدخلها العسكري من تحصين النظام السوري من السقوط، مع الاعتراف بالقوى الموجودة على الأرض بحكم الواقع في ذات الوقت، وبالتالي فهدفها المعلن بإبقاء سورية موحدة أصبح هدفاً غير قابل للتحقق، وستكون روسيا قوة فاعلة للتهيئة لتقسيم سورية بصورة تتناسب مع الأوزان النوعية لتحالفات القوى على الأرض.
 
وستلعب روسيا دورين أحدهما سياسي وآخر ديمغرافي، الدور الأول، بصفتها قوى كبرى تحمي مصالحها بالوصول إلى المياه الدافئة، ويتمثل بضمان حماية منطقة جغرافية متصلة قابلة للحياة، وهو ما تسم بـ(سورية الفاعلة)، أو يمكن تسميتها بـ(سورية الصغرى)، والدور الديمغرافي لروسيا بصفتها قوة مسيحية أرثوذوكسية تحاول تحقيق حلمها التاريخي بوجودها بثقلها الديني في المنطقة منذ الامبراطورية العثمانية، ويتمثل بخلق دولة أقليات (علوية، مسيحية، وبعض السنة في الساحل والقادمين من دمشق والذين ظلوا حلفاء للنظام السوري)، هذه الدولة التي ستكون دولة نخبوية ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومثالاً لتعايش الأقليات معاً، كما تأمل روسيا عبر تقديمها لهذا المثال الحي للدول المستحدثة في المنطقة.
 
وهو ما أكده رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي حين قال إنه لا يمكن تحقيق مصالحة في سورية دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقليات، في إشارة، على ما يبدو، إلى الأكراد السوريين الذين أقاموا فعليا منطقة حكم ذاتي من جانب واحد في الشمالي السوري.
 
الأيام القادمة حبلى بالكثير بما فيه تصادم المشروعين الروسي والإيراني على الأرض السورية.