Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jul-2019

ماذا لو أخذ الفلسطينيون الأموال وهربوا؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جيمس ج. زغبي* – (ذا أراب ويكلي) 6/7/2019
قد يكون كوشنر ساذجاً تماماً بفشله في إدراك أن الإسرائيليين سيركلون ويصرخون غضباً من احتمال وجود مجتمع فلسطيني مزدهر ومتمكن. لكن هذه مشكلته هو، وليست مشكلة الفلسطينيين. سيكون من المثير للاهتمام حقاً أن نتخيل المستقبل إذا ما قرر الفلسطينيون الانخراط في هذه اللعبة برؤية سياسية واستراتيجية لا ترى الازدهار على أنه نهاية الطريق، وإنما على أنه يمهد الطريق نحو التمكين الفلسطيني وتولي القيادة في نهاية المطاف في واقع “الدولة الواحدة” الجديد.
* * *
لم أكن حاضراً في ورشة “السلام من أجل الازدهار” التي عُقدت في البحرين مؤخراً، لكنني استمعت إلى بعض الخطب التي قيلت فيها وقرأت الوثائق التي أصدرها البيت الأبيض حول الحدث. ولم يغيِّر أي شيء رأيته أو قرأته من اعتقادي بأن المسألة كلها كانت مغرقة في الخيال وبعيدة جداً عن الواقع.
ولكن، حتى مع ذلك، تداعت إلى ذهني فكرة تنتمي إلى منطقة الهرطقة.
إنني شخص معجب بتخيل المستقبل. وخلال فترة إدارة كلينتون، كانت عقيدتي إزاء العملية الإسرائيلية-الفلسطينية هي أن ما تمس الحاجة إليه هو وضع “رؤية للمستقبل، والتي تكون مقنعة جداً إلى الحد الذي يجعل الناس ينجذبون إليها”.
في ذلك الحين، كان ما يزال هناك أمل في التوصل إلى حل سياسي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، والتي تكون عاصمتها القدس الشرقية.
كانت مثل تلك الرؤية هي التي دفعت الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، إلى تخيل أن غزة قد تصبح، مع الاستقلال، مثل سنغافورة. ومع السلام والحرية، يمكن للفلسطينيين أن يربطوا الضفة الغربية بغزة. ويمكنهم بناء ميناء بحري ومطار، وجذب الاستثمار، وإنشاء الأعمال التجارية، وجعل بلدهم مركزاً تجارياً ووجهة سياحية.
على الرغم من اتجاهات جاريد كوشنر الأبوية والقائمة على الافتراضية، لم يكن هناك جديد في رؤيته، لأن الفلسطينيين كانوا قد تخيلوا مسبقاً مثل هذا المستقبل.
لكن كل ذلك سقط وتحطم عندما أغلقت إسرائيل الحدود بعد أن قام إسرائيلي بذبح المصلين المسلمين في الخليل: أقامت المئات من نقاط التفتيش العقابية في جميع أنحاء الضفة الغربية؛ وقطعت القدس الشرقية عن بقية الأراضي المحتلة؛ وبنت جداراً داخل خط العام 1967؛ وأقامت البؤر الأمامية العسكرية والمستوطنات في وادي الأردن، وهو ما حرم الفلسطينيين من الوصول الكامل إلى ما يقرب من 25 في المائة من أكثر حقولهم خصوبة؛ وانتهجت سياسات مكثفة للعقاب الجماعي والقمع والإذلال والإفقار تجاه ملايين المدنيين؛ وحرمت الفلسطينيين من الوصول إلى أكثر من 80 في المائة من أراضيهم ومواردهم الطبيعية؛ وحاصرت غزة وخنقتها؛ وبدأت برنامجاً استيطانياً واسع النطاق، والذي زاد عدد الإسرائيليين في الضفة الغربية بمقدار أربعة أضعاف تقريباً ليصل عددهم إلى أكثر من 620.000 مستوطن.
أعرف أن كوشنر حذَّر في خطابه من أنه سيكون هناك شخص من أمثالي، الذي سيكون بمثابة “السيد سلبية”، والذي سيثير الحجج القديمة ويلوم إسرائيل على كل شيء. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن كوشنر، بينما يعفي الإسرائيليين تماماً من المسؤولية، قام بنصيبه من إلقاء اللوم -سوى أنه تم إلقاء اللوم، في حالته، بشكل كامل على كاهل الفلسطينيين، كما لو أن مشاكل الفلسطينيين كانت من صنع أيديهم هُم.
كنت قريباً جداً من هذا الوضع لفترة طويلة جداً. وبينما يمكنني أن أجد أخطاء في السلطة الفلسطينية المتحجرة والمتعثرة التي تكافح للصمود، والتكتيكات الغبية الهازمة للذات التي تستخدمها حماس، فإن عيوب الفلسطينيين هي نتيجة للوضع المستحيل الناشئ عن التشوهات التي تسببت بها سياسات إسرائيل الوحشية والقمعية. ولا يعدو إلقاء اللوم على الفلسطينيين كونه إلقاء للوم على الضحية بينما يتم السماح للجلاد بأن يذهب حراً طليقاً.
ثمة سبب وراء عدم “إقلاع” الاقتصاد الفلسطيني: لقد حُرم الفلسطينيون من فرصة النمو بسبب الاحتلال المتواصل الذي رفض تسليمهم السيطرة على أنفسهم ومناطقهم.
كان مما ضاعف انفصال كوشنر عن الواقع هو افتقاره للوعي الذاتي فيما يتعلق بتأثير السياسات التي تتبعها إدارة ترامب، والسخافة المضحكة في ادعائه بأنه، والرئيس الأميركي دونالد ترامب “لم يستسلما للفلسطينيين” وأنهما ما يزالان يهتمان لأمرهم.
لقد تغاضى فريق ترامب عن عمليات استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وتوسيعها المستوطنات، و”إضفاء الصفة القانونية” على البؤر الاستيطانية وهدم المنازل. وبالإضافة إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، وافقت الإدارة الأميركية على السياسات الإسرائيلية التي رسخت سيطرتها ومكنتها من توسيع مجمعات المستوطنين في القدس الشرقية، وتقترح الإدارة أنها ستنظر بشكل إيجابي إلى المزيد من ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. كما قامت الإدارة بقطع كافة المساعدات التي كانت الولايات المتحدة تقدمها للمؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس.
بذلك، تكون محاولة الإيحاء بأن الأميركيين يريدون “تمكين الفلسطينيين” من خلال التعليم والرعاية الصحية خدعة، في أحسن الأحوال.
بينما كنتُ أستمع إلى خطاب كوشنر وأتصفح الخطط التي طرحتها الإدارة، وقد ساءني افتقارها إلى فهم الواقع، ولهجتها الرعوية، وسذاجتها ورفضها الاعتراف بالكيفية التي أوصلتنا إلى حيث نحن الآن، خطرت لي فكرة تنمي إلى منطقة الهرطقة: تخيلوا ما قد يحدث لو أن الفلسطينيين أخذوا المال وهربوا.
منذ بدايتها، أتقنت إسرائيل فن التظاهُر. وقد وافقت مراراً وتكراراً على شروط لا تنوي الالتزام بها. وبدلاً من ذلك، وضعت مكاسبها في جيبها ومضت قدُماً.
في البداية، وافقت إسرائيل على خطة للتقسيم، ثم خططت بعد ذلك لكيفية تطهير المنطقة عرقياً لجعل دولتها الجديدة، على حد تعبير ديفيد بن غوريون، “أكبر وأكثر يهودية”.
ثم وقّع الإسرائيليون على اتفاقيات كامب ديفيد بينما لم تكن لديهم أي نية للوفاء حتى بأدنى متطلباتها الخاصة بالفلسطينيين. وفعلوا الشيء نفسه مع أوسلو و”واي”. ووافقوا مراراً على “تجميد الاستيطان”، بينما لم يكونوا يعتزمون مطلقاً وقف توسيع سيطرتهم على الأراضي المحتلة.
ماذا لو قرر الفلسطينيون ممارسة اللعبة نفسها؟ ماذا لو أنهم فعلوا ما فعله الإسرائيليون؟ ماذا لو قاموا ببناء الاقتصاد الفلسطيني وتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين، بينما يحتفظون بالتركيز على اللعبة الطويلة وغاياتهم نفسها؟
الموافقة على اللعب لا تلغي بأي حال من الأحوال الحقوق الفلسطينية. والتمكين الاقتصادي لا ينفي الحقوق السياسية، كما أنه لا يمكن أن يشتري خضوع الفلسطينيين لإنكار تلك الحقوق. لا يمكن بيع وشراء تطلعات الفلسطينيين والمتاجرة بها.
إننا نعيش الآن في واقع ناشئ لدولة واحدة -دولة فصل عنصري. وقد أدت السياسة الإسرائيلية إلى هذا الواقع، والذي سيكون من شأن خطة كوشنر أن تدعمه فحسب. ومعظم السكان الذين يعيشون بين النهر والبحر عرب. والمشكلة هي أن الفلسطينيين يفتقرون إلى الحقوق والسلطة، وإلى استراتيجية مناسبة لاكتساب القوة التي سيحتاجونها لتأمين حقوقهم.
ماذا لو أنهم استغلوا الفرصة التي توفرها خطة كوشنر لبناء المجتمع الفلسطيني كخطوة مهمة نحو تطوير القوة اللازمة لتأمين الحقوق والحريات السياسية؟ يُظهر التاريخ أنه عندما يعيش الناس في يأس اقتصادي، فإنهم يكونون أقل ميلاً إلى المطالبة بالحقوق السياسية. وفقط عندما يحصلون على درجة معقولة من الإغاثة الاقتصادية، يشرعون في المطالبة بقدر أكبر من الحرية السياسية.
إذا كان كوشنر يعد بفتح الضفة الغربية عن طريق إزالة الحواجز أمام حرية السفر والتنقل، وربط الضفة الغربية بغزة، وجعل غزة وجهة سياحية، وتشجيع الاستثمار في المؤسسات الفلسطينية، وما إلى ذلك، ماذا لو أن الفلسطينيين أخذوا الأموال وهربوا؟ ماذا لو استخدم الفلسطينيون هذا العرض لتطوير رؤية استراتيجية جديدة، واتخاذ الخطوات اللازمة لتحويل واقع الدولة الواحدة الناشئ إلى دولة علمانية ديمقراطية؟
ربما لا يدرك كوشنر ماذا ستكون نتيجة ظهور مجتمع فلسطيني يتمتع بالتمكين والازدهار. ربما يكون ساذجاً تماماً في فشله في إدراك أن الإسرائيليين سيركلون ويصرخون ويحتجون على احتمال وجود مجتمع فلسطيني مزدهر ومتمكن. لكن هذه مشكلته هو، وليست مشكلة الفلسطينيين.
من المثير للاهتمام حقاً أن نتخيل المستقبل إذا ما قرر الفلسطينيون الانخراط في هذه اللعبة برؤية سياسية واستراتيجية لا ترى الازدهار على أنه نهاية الطريق، وإنما على أنه يمهد الطريق نحو التمكين الفلسطيني وتولي القيادة في نهاية المطاف في واقع الدولة الواحدة الجديد.
في هذا الصدد، قد نرى خطة كوشنر -ليس كطريق “ذكية للغاية” لإدامة خضوع الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي. إنها قد تكون، بدلاً من ذلك، الطريق المصمم بسذاجة لتحقيق النتيجة غير المقصودة التي قد تؤدي إلى واقع جديد مختلف تماماً.
سوف يولولُ الإسرائيليون والولايات المتحدة ويُعوِلون، لكنهم سيكونون هم الذين حفروا هذه الحفرة لأنفسهم. ربما سيتمكن الفلسطينيون في يوم من الأيام من بناء منتجع في غزة أو يافا وتسميته على اسم جاريد كوشنر -باعتباره والد الدولة الديمقراطية العلمانية الجديدة التي ستنشأ بين النهر والبحر.
إذا لم تكن هذه بالضبط هي رؤية المستقبل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هذا هو ما ستحصلان عليه في نهاية المطاف. سوف يظل الفلسطينيون يطالبون بالحرية والحقوق؛ وكأغلبية تتمتع بالتمكين، ستكون مسألة وقت فقط قبل أن ينهضوا ويتمكنوا من تأمين تلك الحقوق.
أما إذا لم يكن هذا هو ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد يكون من الجيد لهما عندئذٍ أن تعودا إلى لوح الرسم، وأن تستجمعا الشجاعة والعزم اللازمين لإنهاء الاحتلال ومنح الفلسطينيين العدالة والحرية اللتين يستحقونهما ويحتاجون إليهما ليزدهروا في دولة مستقلة خاصة بهم.
 
*رئيس المعهد العربي-الأميركي.
*نشر هذ المقال تحت عنوان: What if Palestinians take the money and run?