Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jun-2018

الملك: متى يتحمل المسؤول مسؤوليته؟! - إبراهيم السواعير

 الراي- كتب شاعر عربي على صفحته ما نصّه: «تحيّة للملك عبداالله الثاني ابن الحسين ملك الأردن الحاكم القدير، من يبادل شعبه حبّاً بحب وتقديراً بتقدير»، والحقيقة أنّ هذه السّمعة العالية لمليكنا التي جعلت من جلالته قدوةً على الصعيدين العربي والعالمي في حكمته وصراحته ومكاشفته الدائمة وعمله الدؤوب لصالح الأردن، كانت في أوج تجلياتها قبل أيّامٍ بالثقتين اللتين طمأن بهما جلالته الأردنيين جميعاً، الأُولى ثقة جلالته بالشعب، حامل الهموم الاقتصاديّة، الذي «يتحدّث من قلبه، وله الحق أن يكون غاضباً»، والثقة الثانية هي فضفضات جلالته لقيادات إعلاميّة وكتّاب صحفيين بطموحٍ عالٍ ينبغي التكاتف له، نحو حسّ عالٍ أيضاً في المسؤوليّة، وعلى من يتنصّل منه أن يغادر مغادرةً سريعةً لا تحتمل التأجيل.

فأَنْ يقف الملك إلى جانب المواطن، ويعذره في ما يذهب إليه من هتافٍ ضدّ قانونٍ جاء على عجل ويثقل
الكاهل ولم يفهمه المواطن،.. بل وأن يشكر جلالته الشعب الأردني، مُدركاً لـ»حجم ضغوط الفقر والبطالة»،
وأن يعيد التذكير بأنّه «في صفوف أبنائه وبناته وهو يبارك لهم كلّ هذا الحق»،.. فمعنى ذلك أنّه لا انفصال
مطلقاً بين الأب والأبناء والقائد والشعب؛ إذ تزداد الشراكة في حسّ المسؤوليّة والهم الاقتصادي الذي عبّرت
عنه جملة جلالة الملك الشهيرة»أنا أعلم أنّ المواطن الأردني هو الذي يتحمل العبء على أكتافه، وأنّ 99%
من المواطنين الأردنيين يتظاهرون من قلوبهم لمصلحة مستقبلهم ومصلحة الأردن، وأنا فرحٌ جداً لهذا
وأتشرّف بأن أرى ما أراه».
هذه المكاشفة والمصارحة كفيلة لأن تجعلنا نسير في كلمات كانت بالفعل مفاتيح نقاش للزملاء من الكتاب
والصحفيين، في حديث جلالته عن الوضع الذي تختلط ألوانه ويحتاج تَفهُّم ظرفٍ هو من الصعوبة، بحيث لا
يمكن أن نستسهله؛ إذ تظل تظهر المنطقة الرماديّة، ما يُحمّلنا مسؤوليّة أن نعترف بأنّ «لدينا أخطاءً ويجب
أن نشتغل بشفافيّة وجديّة على ما يواجهنا من تحدّيات».
وعلى أهميّة موضوع الضّريبة والإصلاح الإداريّ وهموم الفقر والبطالة، إلا أنّ «الخروج من الأزمة» كما يوجّه جلالة الملك يحتاج برنامجاً شموليّاً، ويتطلّب كذلك مهارةً في الإقناع والتواصل مع الشعب، في ظلّ وضعٍ إقليمي شديد التأثير على الوضع الاقتصادي، خصوصاً تحدّي الغاز المصري الذي لفت جلالته إلى قوّة تأثيره بأنّ 4 مليارات دولار كانت كلفة عالية جراء نقصه في بداية فترة «الربيع العربي»، حيث الظرف الحدودي المغلق الذي كان له دوره الكبير في التأثير على التجارة والاقتصاد، مع دول أوروبا ودول أخرى، وحيث الحروب على جبهتين في سوريا والعراق نتيجة تعقيدات المسألة وتحدّيات «داعش»، لتكون المشكلة الأكبر التي يعانيها الأردن في قضيّة اللجوء السّوري، تضاف إليها مواقف سياسيّة للأردن كان لها تأثيرها، ومع ذلك، فما يزال للأردن أصدقاؤه الذين يمكن أن يساعدوه.
هذه كانت إطلالةً أوسع لجلالته على تحدّيات كبرى وظروف معقّدة تواجه الأردن، ولذلك، فقد كان التوجيه الملكي بأهميّة أن نسير إلى الأمام وأن نعتمد على أنفسنا وأن «يعرف المواطن الصورة بوضوح»، ويستلزم
ذلك نهجاً جديداً في العقليّة أو الذّهنيّة الأردنيّة في التعاطي مع الوظيفة والمنصب والولاء للإنجاز وحسّ المسؤوليّة، لا لـ»الكرسي» الذي لم يجد جلالته حرجاً من أن يصرّح بأنّ من لا يستطيع أن يشغله أو يملأه
بالعمل والتفاني والحسّ المسؤول، فإنّ أقل ما يُقال له هو «مع السّلامة!»، وفي هذا رسالة قويّة بأنّ الجبهة
الخارجيّة التي لا يُستهان بها يجب أن تُعضد بتحمّل للمسؤوليّة التي ستكون مناط «التكليف» أو «الاستراحة»، وعلى هذا «فإنّ الأردنيين هم من سيدفعون الثمن» نتيجة أخطاء مسؤول أو وزير، ربّما يكون قد استمرأ النّوم ،كما قال جلالة الملك، فلم يكن عمل هؤلاء بالطريق الصّحيح أو المسؤول.
هذه الغضبة الهاشميّة لجلالة الملك كانت رافعة قويّة للإعلام الأردنيّ لأن يأخذ دوره ويبادر إلى مساءلة المسؤول أو الوزير وأن يحاكمه، لكيلا يظنّ وزيرٌ أنّه إنّما جاء «ليجلس على الكرسي ويحصل على الراتب»،
وباعتبار الإعلام وسيطاً مهمّاً على المستويين النظريّ والتطبيقيّ بين المواطن والمسؤول، فإنّ رسالة جلالة
الملك واضحة لإطلاق روح المساءلة والمحاكمة الإعلاميّة لوزراء «ليسوا أجانب، وهم من الوطن في نهاية
المطاف» كما قال جلالته، وهو يشعر بالأسف والحزن قائلاً «متى سيتحمّل المسؤول مسؤوليّته؟!»، وهي عبارة تنبئ عن نفس أصيلة مشفقة لحال ما يزال كثيرٌ من المسؤولين أو الوزراء يفكّرون التفكير الكلاسيكيّ الذي «يجب أن يتغيّر»، باتجاه أن تُعطى الفرصة للجيل الجديد الذي يتوق دائماً إلى «تغيّر إيجابي لتحسين المستقبل»، وشعوراً من جلالته وإدراكاً لوزن الشباب وعنفوانهم الإيجابيّ في الطموح والعطاء، فلا بدّ من أن
«نعطي المجال لهم»، وأن نشعر بما لديهم من طاقةٍ ومحبّة للأردن تتكلل بالرغبة المفرحة التي عبّر عنها جلالة الملك بقوله «يريدون أن يشتغلوا!!»، وكلّ ذلك بالتأكيد سينعكس على التطوير والبناء والإنجاز، في ظلّ تنفّس «جو الاستثمار» ومواجهة الفقر والبطالة، ومواجهة عقول حكوميّة أيضاً ما تزال تتكرّر أو تتكرّس متاريس صلبة أمام جذب الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص.
وكإشارات متّصلة أمام الإعلام ناقلاً وضميراً وصاحب رسالة وطنيّة، يضيء جلالته على همِّ النّاس مرّةً أخرى،
بقوله «أنا أعلم أنّ الناس غير مرتاحين أو هم متضايقون، فلا بدّ من حوار لمواجهة كلّ التحديات»، وهي
مواجهة ليست صعبةً، إذ تعاني دول في أوروبا وفي الإقليم العالم المشاكل ذاتها التي يعاني منها الأردن،
ومن الضروري أن يكون التغيير.
الاعتماد على الذّات والتعامل مع المواطنين رسالة وجهها جلالة الملك، مؤمّلاً أن تسير الحكومة الجديدة على هذا النهج، خصوصاً وقد كاشف بأنّ حواجز كانت تقف أمام الاستثمار والقطاع الخاص وما يترتب عن ذلك من تأثير على البطالة والفقر، وبصفته ضامناً للدستور والتوازن بين السلطات، فإنّ الأَوْلى كما وجّه جلالته إذن هو «التخلي عن الأجندات» أو «المصالح الشخصيّة» باتجاه المسؤوليّة، وباتجاه خدمات الصّحة
والتعليم والنقل، وهي من «حقوق الأردنيين» بطبيعة الحال.
« منذ مدّة وأنا أطلب أن نطوّر الجوّ السياسي باتجاه حكومة برلمانية»، توجيه عاتب من جلالته، وهو يُنظِّر
للكتل والأحزاب وحماس الشّباب والوضع السياسي نحو صفحة جديدة مليئة بالدّافعية والعمل المنظّم الصادق الذي يسير نحو المستقبل بخطى واثقةٍ وتصميمٍ ونجاح، وكلّ ذلك لا بدّ يحمل نفساً شغوفةً لجلالته بصفحة جديدة عمادها المواطن والمؤسسات والشعب، ويدخل بين كلّ هذه العناصر الإعلام، بصفته الشريك الوطنيّ الفاعل بين كلّ هذه العناصر في هذا المجال أو ذاك.