Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Mar-2019

الأطفال حين لا بواكي لهم* جميل النمري

 الغد-صدمت الأردنيين وأقضت مضجعهم حادثة الأب الذي دفع بطفله مربوطا بعربته الى الماء ليغرق في خليج تايلند. تفاصيل الحادثة مرعبة وتعذب ضمير كل واحد فينا ومن الصعب على العقل السوي تخيل إقدام أب على هذا العمل الذي يواجهنا بالسؤال الممض: كيف أمكن ان يحدث هذا؟

حسب المعلومات فالأب مريض نفسي، وهي الاجابة الوحيدة التي تعطي تفسيرا يقبله العقل وهو ما حدث في حالات قتل سابقة لأطفال صدمت المجتمع الأردني، هذا مع اننا لا نريد ان نقبل هذا التفسير سلفا بما يتضمنه من تبرير وتفسير يريح الضمير ويخفف مسؤولية القاتل، وعلى كل حال ثمة حوادث أخرى من إساءة المعاملة المستمرة والتعذيب المفضي الى الموت لم يكن الجاني مصنفا بالمعنى الطبي كمريض نفسي.
من المؤسف ان من بين من خرجوا في العفو العام الأخير قتلة اطفال فالنص العام شمل بالعفو جرائم القتل التي تم فيها اسقاط الحق الشخصي والضحايا الأطفال يكون ولي الأمر الذي يسقط الحق الشخصي هو نفسه المجرم، وحين يكون الأب هو الجاني تخضع الأم المكلومة لضغوط اجتماعية وتهديدات تجبرها على اسقاط الحق الشخصي. والمشرعون يجب ان يعذبهم ضميرهم على هذه السقطة، والحال ان الأطفال ضحايا العنف الاسري لا ولي دم لهم الا الدولة والمجتمع، وكما لم يحمهم المجتمع من البشاعات المرعبة التي ارتكبت بحقهم يتهاون في الاقتصاص لهم من قاتليهم.
الحقيقة ان تعديلات تشريعية حدثت لتطوير مبدأ حماية الطفولة من العنف الاسري الداخلي، وهي وجدت في حينه مقاومة من العقليات الرجعية التي تتذرع بالأعراف والتقاليد التي تعتبر كل ما يحدث داخل الاسرة شأنا داخليا لا يجوز تدخل الدولة فيه. وبذل نشطاء وناشطات المجتمع المدني جهودا كبيرة لتعزيز الحماية القانونية للنساء المعنفات والأطفال المعذبين وأصبح المجتمع اكثر قبولا للمسؤولية الاجتماعية من خلال مؤسسات الدولة كالتنمية الاجتماعية وحماية الاسرة، وأصبحت النساء بفعل ذلك اشجع واقدر على طلب المساعدة والحماية، ولم يعد الرجال احرارا مطلقي اليد في إساءة معاملة نسائهم. لكن المشكلة بالنسبة للاطفال وخصوصا بأعمار صغيرة أنهم لا يعرفون في العالم غير ذويهم الذين يفترض ان يكونوا الملاذ الآمن والموثوق لهم.
بعد بعض الحوادث الصاعقة لتعذيب أبناء أو قتلهم تم اجراء تعديلات تشريعية تجعل التبليغ عن سوء معاملة الاطفال إلزاميا من طرف الاشخاص او الجهات التي تتعامل مع الاطفال كالمدارس والمعلمين والاطباء وغيرهم، اذ هم ملزمون بالتبليغ. كذلك تم ادخال مبدأ حماية الشهود والمبلغين، والحق ان ذلك كان له أثر ايجابي مزدوج أولا على الثقافة العامة للناس باعتبار ان الاساءة الى الأطفال ليست شأنا أسريا داخليا بل مسؤولية ضميرية وقانونية للعائلة الأوسع وهي المجتمع، وثانيا على السلوك العملي لكل من يصدف ان يطلع على سوء معاملة أو تعذيب بتبليغ الجهات المسؤولة.
لكن كما نرى لم يكن ذلك كافيا وما يزال الأطفال يفتقرون للحماية اللازمة في اغلب الحالات وأخطرها ان يكون أحد الأبوين مريضا نفسيا وفصاميا بما يجعل الأطفال على الدوام في لحظة ما لا يمكن توقعها مشروع ضحية. يجب ان نقدم اجابات مقنعة في هذا الجانب، ويجب ان يدعم التشريع تدخل جهات الرعاية الاجتماعية الاستباقي، وكنت قبل سنوات قد أثرت الموضوع بشدّة لكن شيئا لم يحصل، ونفهم ان الموضوع من حيث الترجمة العملية لدور الدولة في حماية الضحايا المحتملين والأطفال تحديدا هي مسألة صعبة ومعقدة لكن هذا لا يبرر التقاعس. والحادثة الأخيرة تضعنا وجها لوجه أمام مسؤولياتنا كدولة ومجتمع.