الدستور-علي القيسي
«أراني أعيد لخيولي بياضها»، عنوان ديوان شعر نثري للأديب رامي الجنيدي، صدر حديثا عن (الآن ناشرون وموزعون).
عتبة العنوان جملة فعلية تتضمن العمل أو الشروع بالعمل والحركة لفعل شيء وهو الفاعل المتكلم يرى نفسه أن يقوم بعمل يخصه، وهو محاولة العبث باللون لتلك الخيول التي ذهب لونها الحقيقي الأصلي، وهذه رمزية وتورية أيضا، تكمن في فكر الشاعر وضميره في المعنى المقصود.
فالديوان يعج بالرمزية والإشارات ذات المعنى، فثمة الخيول، والذئاب، والجنرال والماء والصلصال، فالشاعر رامي يختبئ وراء هذه النصوص من خلال الرمزية والتشابيه والمجازات، التي يحفل بها هذا الإصدار.
وفي القصيدة الأولى من الديوان (وتمرض الذئاب): «ذئبُ خجول/ يرسم على جسد طريدته الخرساء/ حلم الذئاب/ يقبّل دمعة الغروب».
في هذا الجمل النثرية الغامضة بالنسبة للمتلقي، يقف القارئ مشدوها، يحاول كشف الحقيقة والوصول إلى فك تلك الشيفرة.
ماذا يقصد الشاعر بالذئب الخجول، والرسم على جسد طريدته الخرساء، هنا المعنى يُفسر بالنسبة للمتلقي تفسيرات كثيرة وهذا يحرك الفكر النقدي والمخيال الإبداعي للبحث والتخيل للوصول إلى ما في قلب الشاعر، ولكن يبقى ذلك محاولات لسبر أغوار عميقة قد لا تكون مهمة عند الشاعر، ولكنها تثير التساؤلات لدى المتلقي.
القصائد مفعمة بالألفاظ والمفردات التي نراها تتكرر مثل المرايا، الذئاب، الجنرال، وهذا للتأكيد على تعلق الشاعر رامي بالمعنى الذي يشغل باله ويحرك ذهنه ووجدانه، يقول: «أيها الذئب القابع بين المرايا/ حطم مراياك واتبع طريدتك.
وثمة حضور للماء يتكرر في بعض القصائد، وحضور للمرأة التي يشير لها بالوردة، والياسمين، والفراشة: يقول الجنرال للفراشة/ دعي البنادق جانبا/ وعلميني جبر الخواطر/ عليميني كيف أزرع الياسمين.
وهناك مفردات يستعملها رامي للإشارة إلى ما يختلج صدره من عواطف ومشاعر يترجمها عبر الكلمة وتكرارها مثل الكمنجات وعلى ما يبدو عشقه لهذه الآلة الموسيقية التي تتكرر كثير.
من هنا فإن قصائد الديوان تعج بالحيوية والإثارة والحوار والتكرار المريح، وتنسجم مع الأدوات الفنية والبلاغية والـأسلوبية في النصوص، فالشاعر متمكن من أدواته بمهارة ومعرفة، وقادر على تطويع لغته بسهولة وسلاسة، ولديه خيال خصب وقريحة سليمة ونشطة.
فقصيدة النثر ليست سهلة كما يظن فهي فن أدبي بحاجة للتكثيف والإيجاز واختيار المفردات المناسبة القوية.