Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2017

دعوة لعسكرة الدولة - بلال حسن التل
 
الراي - أواصل حديثي عن زيارة وفد جماعة عمان لحوارات المستقبل، إلى المنطقة العسكرية الشرقية، وما استفدناه من لقائنا نشامى القوات المسلحة الأردنية. فبعد دعوتي في مقال سابق ل «إخضاع رواد الصالونات السياسية ومنتديات الثرثرة في عمان وسائر حواضرنا إلى دورات تأهيل وتدريب في معسكرات جيشنا العربي عن كيفية تحويل الشعار إلى ممارسة والمبدأ إلى نهج حياة والإنجاز إلى فلسفة عمل» فإنني في هذا المقال، أجدد دعوة سبق وأن أطلقتها، بضرورة العمل على عسكرة كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهي الدعوة التي عززت قناعتي بها زيارتنا إلى المنطقة العسكرية الشرقية.
 
خلاصة الدعوة التي أجددها اليوم، هي ضرورة العمل على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفق منظومة الأسس، والقواعد والقيم والتقاليد التي تحكم القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي - وأول هذه القواعد، والتي جسدتها الأحاديث التي استمعنا إليها من قادة تشكيلات المنطقة العسكرية الشرقية، الذين التقيناهم والتي عكست وضوحاً في الرؤية والهدف، ومن ثم امتلاكاً للأسباب المؤدية إلى تحقيق الرؤية والهدف على أرض الواقع. حيث يشهد الجميع لقواتنا المسلحة بالنجاح الباهر، في تحقيق هدفها، المتمثل في حماية أمن الوطن، واستقراره وسلامته، مما يجعلنا ندعو كل مؤسساتنا لأن يكون لديها رؤية واضحة لموقعها في هيكل الدولة، ومن ثم لدورها في تحقيق أهداف الدولة الأردنية، من خلال امتلاكها لوسائل تحقيق هذه الأهداف.
 
إن وضوح الرؤية والهدف لدى قواتنا المسلحة، جاء نتيجة لقاعدة هامة من القواعد التي بنيت عليها هذه القوات، وهي قاعدة نقاء العقيدة الوطنية الذي يتمتع به منتسبو القوات المسلحة الأردنية، وهو النقاء الذي صار محل سؤال لدى جل العاملين في المؤسسات المدنية، خاصة بعد تنامي مظاهر الترهل، والتسيب وغياب الانضباط، وتدني الإنتاجية، وعدم الانتماء، الذي انعكس خطاب كراهية يساهم في ترويجه الكثيرون من العاملين في المؤسسات المدنية في الدولة، خاصة أولئك الذين يسربون أسرار عملها، ويضخمون أخطاءها، فيحولونها إلى خطايا، صار تنامي الحديث عنها من عوامل توهين الانتماء الوطني، وإضعاف الثقة بالدولة وتعظيم عوامل تنمية القلق لدى الأردني، مما يدفعنا إلى التأكيد على أهمية السرعة بعملية عسكرة الدولة الأردنية، وأن تكون البداية في إعادة بناء العقيدة الوطنية لدى العاملين في المؤسسات المدنية مستذكرين أن الدولة الأردنية الحديثة، هي دولة مشروع، قامت لتحقيق الحلم القومي، الذي آمن به أحرار العرب، وعملوا من أجله منذ نهايات القرن التاسع عشر.
 
غير امتلاكهم لصفاء العقيدة الوطنية، وما انبثق عنها من وضوح الرؤيا والهدف، فإن منتسبي القوات المسلحة الأردنية, يمتلكون كذلك وسائل تجسيد العقيدة، وتحقيق الهدف، وأول هذه الوسائل هي المؤسسية التي تعمل من خلالها القوات المسلحة الأردنية، وهذه المؤسسية هي التي تُمكن من المراكمة على البناء, ليعلو مدماكاً تلو مدماك, استناداً إلى تراكم التجربة واحترام من سبقوا, وهو الأمر الذي صرنا نشكوا من غيابه في مؤسساتنا المدنية, التي صار من المألوف فيها أن يتنكر كل وزير أو مدير عام جديد لمن سبقوه في موقعه, ومن ثم إلغاء ما أنجزه ليبدأ من جديد, وهي ممارسة تكلف وطننا الكثير الكثير من الجهد والمال والوقت, ولا حل لها إلا بالمؤسسية التي هي أهم قواعد العسكرة التي ندعوا إليها لكل مؤسسات الدولة الأردنية.
 
سمة أخرى من سمات عمل قواتنا المسلحة وأسرار نجاحها, تلك هي سمة احترام الاختصاص الذي يتمثل في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وفق أسس واضحة تحكمها الشفافية, إضافة إلى احترام التسلسل الإداري وفق نفس الأسس والمعايير, وهو الأمر الذي صارت تفتقر إليه مؤسساتنا المدنية خاصة في السنوات الأخيرة مما يجعل الدعوة لعسكرتها أكثر إلحاحاً.
 
يقترن احترام الاختصاص بأمر آخر في قواتنا المسلحة, هو سعيها المتواصل إلى تزويد منتسبيها بأحدث ما توصلت إليه العلوم,كل في مجال اختصاصه, وفق نفس أسس الشفافية, مما يمكنها من توظيف حصيلة هذه العلوم لتحقيق أهدافها, وهو أمر صرنا نفتقر إليه في مؤسساتنا الوطنية التي صارت نسبة عالية من بعوثها لغايات « التنفيع» بعيداً عن الشفافية, وهذا سبب آخر للتسريع بالعسكرة.
 
لا يمكن الحديث عن مبررات الدعوة لعسكرة الدولة الأردنية, دون الحديث عن مبرر أساس صارت مؤسساتنا المدنية تفتقر إليه, أعني العزم والحزم, والذي يتجسد بما صار يعرف في عالم الإدارة بالمساءلة, أو بالثواب والعقاب, ففي قواتنا المسلحة لا مجال للتهاون في أداء الواجب, مثلما أن من تقاليدها مكافأة المبدع والمتميز, وفق قواعد وأسس واضحة, وهو ما نحتاج إليه في مؤسساتنا المدنية, التي صارت مثلاً سيئاً للترهل وعدم الإنجاز, وتدني الإنتاجية, نتيجة لغياب المساءلة, أو ليس هذا وحده سبباً كافياً لعسكرة الدولة الأردنية لتساهم جميع مؤسساتها في تحقيق أهدافها مثلما تفعل قواتنا المسلحة.
 
Bilal.tall@yahoo.com