Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Apr-2019

أنا لا أكتب، هي تكتبني.. ذلك هو وجع الكلمات

 الدستور-إخلاص القاضي

الكتابة عندي وجع فرح لحظة تُشّكل فيها خريطة الكلمات، فاتبعها رغماً عني، كانني ألاحق فراشات الوادي الفسيح، فأسرق من ألوانها فرحاً، ومن هروبها، حزناً على ضياع فرص تلاقينا، وما اكثرها!
أدونها كسرعة الريح، فتسبقني إلى مجد الحرف، ينساب لوحده، هو من يكتبني، يأخذ بيدي، أنظر الى عينيه، كما ينظر الطفل لسماء تعده بطيب خاطر الغيث، اسأله: هل لي دور بمتاهاتك، أم سترشدني كعادتك إلى حيث أردت، يغض عن أسئلتي البلهاء الطرف، ويستمر في طريقه الغريب المريب، يسترشد به حدسه، حيث لا إشارات دالة، ولا قنديل على الطريق العتيق، فيُشقّ الضباب بشفافية اليقين.
هو قلمي الحنون المجنون، يقطف من قلب رمل الصحراء، ورداً، ومن سرابها العطشان رقراقاً، ومن ليلها السحري نوراً، ومن شمسها الحارقة، برداً وسلاماً، ينهل من عمرى ذكرى، من غضبي عبرة، وينسج من دمعي الحائر شالاً يمسح غبار مقاعد الرصيف، ويعيد حياكته بسنارة رائحة الخشب العاتب على الغياب. 
الكتابة عندي طقس مُتقلب، لا يعترف بعدد للفصول، ولا يداري التغير المناخي، فقد يضلع في «أوزنة» الطبقات، وفي لا «دوزنة» أوتار العصافير، أو يطيب له أن يزين ورق أيلول الأصفر على قارعة نوافذ الصيف، ويقطف زهر لوز نيسان تحت المطر، فوق السحاب، بين رماد الموقدة.  
جميل ان تزين هويتك ببصمة خلّاقة، ليست بدلاً عن ضائع، ولا مزورة بزمن مافيا سرقة الاختام وتصنيع الكلمات، وقصها ولصقها وإعادة تدويرها، لطيف ان تعكس روحك مهذبة كانت ام مشتتة، هي محض تجربة، لا تُّجملها، قلها كما هي، مهما اشتدت مرارتها، مهما قست عليك، انقلها لقارىء وجدانك، لربما تتسول منه لحظة اهتمام، لحظة عطف، هي قبس من رد إعتبار على مئات الاحكام المسبقة المجحفة، التي كانت ترى بعنفوانك غروراً، وبسكوتك الوقور استسلاماً، وبانتصاراتك صفقات ذهنية لم تعقد حقيقة، لم تدر أننا نلبس صفاتاً للعوام، نخفي عنا وعنهم صفاتنا، لم تدر أننا نعاني انفصاماً، فنظهر لهم عكس بواطننا، فيؤخذ عليك نعوتاً، تعمق الهوة بين، حقيقة «أنت»، وكيف «أنت» بنظرهم المحدود، وربما المبتور، وربما المسكون بعقد نقص مركبة، لا تقودهم الى فهم حساسيتك، عقليتك، أيمانك بجندية الاوراح، وتخاطرها. 
لا عليك، دعك منهم، غذي روحك بما لذب وطاب من عطر الكلام، وعطر الذكرى، وخزامى القوة، ولياقة الياسمين، ابق، عنقوداً لا يقطف، يُعتق، لحين، أكتب كما يحلو لك، فسيحلوا لهم صدقك المنثور في رائحة الورق، وعبق ما مُزق منها، وما بُعثر، وما رطبته دموعك، وما أخفيته بخزائن خشب السنديان، وما واربته عن والدتك التي أتتك متعبة فرحة «بشاي النعنع» في عز كانون، ترقب اشتعال الموقد، يدفئك، ام يسرق من شعله دفئه، تحسبك مُتعبا من درس لامتحان، ولم تعلم أنك على مفترق امتحان أزلي، لم تنجح به مرة، لم تغش بشأنه مرة، لم تُصلّح اوراقك «بالمرة»، ولا زلت بانتظار النتائج لعلها تروي ظمأ اشتياقك، لمن ضل الطريق عنك و عنه، وضل ظلك، ولو، لمرة.