Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2018

تـظـلّـمـات وأوهـام - د. صلاح جرّار

الراي -  يوجد في المجتمعات التي تشهد اختلالات مختلفة نمطان من الناس هما: الشخص الذي يكثر من التظلّم وهو مسرفٌ في ظلم غيره، والنمط الثاني هو الذي يتوهّم أنّه متفوّق على الناس جميعاً في العلم والثقافة والفهم والمعرفة والتفكير، بينما هو في الحقيقة دون ما يتوهم بكثير.

ويختلف هذان الصنفان عن الظالم الذي يتعمّد ظلم الناس تحقيقاً لمصالحه، وعن الذي يكذب في تقدير
نفسه بين الناس للوصول إلى غايات وأهداف لا يستحقها في كون الظالم المتعمد والكاذب الوصولي يعرفان في قرارة نفسيهما أنهما
يمارسان الظلم والكذب، أمّا الصنفان الأوّلان فهما أقرب إلى من يعاني مرضاً نفسيّاً حين يكثر الشخص من التظلّم وهو في الحقيقة
ظالمٌ لغيره، أو حين يتوهّم أنّه الأفضل بين الناس في كلّ شيء وهو ليس كذلك.
وقد يجمع الشخص الواحد بين هاتين الصفتين معاً في شخصيته، فيكون كثير التظلّم والتبرّم والشكوى واتّهام الآخرين بإقصائه
وتهميشه، وربّما نتيجة اعتقاده ذلك يسيء للآخرين ويظلمهم، ويجمع إلى ذلك صفة التوهّم بأنّه أعلى الناس مرتبة في الفهم والعقل
والمعرفة وسواها.
وقد تكون هذه الصفة بشقّيها دليلاً على ثقة المرء الزائدة بنفسه، والثقة بالنفس أمرٌ محمودٌ ومطلوب دائماً، إلاّ أنّها إذا زادت عن حدود
الاعتدال ودخلت في باب الوهم فإنها تصبح مذمومة ومضرّة بالشخص نفسه وبغيره من الناس، وتنبئ عن حالة مرضية تستدعي
العلاج.
ومتى كثر انتشار هذين الصنفين من الناس في مجتمع من المجتمعات، فإنّ ذلك يدلّ على وجود اختلال ما في زاوية ما من زوايا ذلك
المجتمع.
وفي اعتقادي أن النوع الذي يكثر من التظلّم والشكوى دون أن يعرف أنّه ظالمٌ لغيره، يتعرّض في العادة إلى تحريض من بعض
المقرّبين منه ممّن يريدون مواساته على سوء أحواله الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، ولعلّه بما يكرّره من الشكوى أمامهم يجعلهم
يصدّقون دعواه.
وأمّا الصنف الثاني وهو المصاب بوهم العظمة والتميّز على الآخرين فهو ممّن يصل إلى هذه الحالة من خلال استعراض بعض معلوماته
أو أفكاره فيقابله الناس بالمجاملة والمبالغة في الثناء عليه، فيداخله الوهم بالعظمة.
ولعلّ من أهمّ الأسباب الداعية إلى هذا الوهم لديه أن يرى من هم أقلّ شأناً منه أو من هم في مستواه قد أحرزوا مناصب ووظائف لا
يستحقونها، ممّا يدفع كلّ من ليس مؤهلاً لوظيفة ما أن يسعى للحصول على وظيفة مثلها، فكيف إذا كان يمتلك بعض التفوّق على
من تولوا تلك الوظائف؟!
إنّ المواساة الكاذبة والمجاملة الزائدة ومجافاة العدالة هي بعض الأسباب التي تقف وراء بعض الظواهر السلوكية غير السليمة في
المجتمع، وإنّ تحرّي العدالة والاعتدال في كل شيء هو العلاج الفعّال للآفات الاجتماعية المختلفة.
salahjarrar@hotmail.com