Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Jan-2019

فريدا كاهلو وتوثيق معاناة العزلة
ميدل ايست اون لاين -
 تكتسبُ الرسائلُ المتبادلة بين مشاهير الأدب والفن أهمية كبيرة بإعتبارها وثيقةً تكشفُ جوانب مُعتمةَ عن حياتٍهم، هذا إضافة إلى القيمة الأدبية لتلك المُراسلات بين الأصدقاء أو المحبين وما يفصحُ عنه هؤلاءُ من الأفكار والآراء إلى جانب البوح بهمومهم دون المواربة والتبهرج الكلامي. 
وتبدوُ هذه التدوينات أكثر عفوية ومعبرة عن الحالات الوجدانية، والمشاعر العميقة. لذلك يتفاجأُ قاريءُ رسائلَ كافكا لفيليس بأنَّ غرابة تركيبة صاحبِ "المُحاكمة" تفوق سوريالية شخصياته الروائية، دعك من رائد الأدب الكابوسي فإنَّ الفيلسوف الألماني مارتن هاديغر يتحولُ إلى عاشق لا يسعهُ الشوقُ عندما يخاطبُ طالبته حنة أرة مراجعةِ أدب الرسائلِ وعدم الإكتفاء بمتابعةِ نتاجات الكُتاب وأعمال الفنانين لأنَّ ما تحملهُ الرسالةُ من الخصوصية يُعينكَ على معرفة رؤية كاتبها، وخطوط حياته المُتشابكة.
من المعلوم أنَّ الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو كانت شخصيةً مُغامرةً ولمُ تمنعها المعاناة وأزماتها الصحية والعاطفية من الخوض في غمار الحياة، وإقامة شبكة واسعة من علاقات الصداقة. بعدما تتدهور صحتها الجسدية وتتضاعفُ آلامها نتيجة حادث إصطدام الحافلة التي تقلها برفقة صديقها غوميز أرياس إلى كويكان. تُصبحُ معزولةً عن الأوساط الجامعية والثقافية ولم تَعُدْ تستطيعُ أن تنظرَ إلى العالم وجهاً لوجه وأُرغمتْ على مشاهدته وهي مُسْتَلقيةُ. إذ قيدتِ الأجهزة والمشدات فريدا كاهلو في مساحةٍ محدودة جداً انصرفتْ ابنة البيت الأزرق للفن وكتابة الرسائل للتأقلم مع مصيرها.
الصداقة فريدا كاهلو
نجحتْ فريدا كاهلو على التواصل مع الأصدقاء ومراسلتهم وبذلك خففت وطأة العزلةِ التي كانت تعيشها في المستشفى وكويكان إذ تناشدُ في الرسائل التي كتبتها لصديقها أليكس، ونشرت ضمن كتاب بعنوان "رسائل فريدا كالو" صادر مؤخرا من دار نينوى بأنَّ لا يتوقفَ عن مُراسلتها. وتستشفُ مما سطرته كالو بأنَّ الأخيرة تُعلي من قيمة الصداقة وتعتبرها ركناً أساسياً في الحياة ولولا تلك القيمة الإنسانية الرفيعة لخلت أيامنا من المذاق. 
برأي كاهلو - وفقاً لما جاء في رسالتها إلى أليكس - أنَّ الأصدقاء يجبُ أن يحبوا بعضهم حباً جماً. وتسترسلُ واصفةً هذا الكلام بفرضيتها للحياة. وفي رسالة أخرى تعبرُ عن حزنها لأليكس عندما عرفت بأنَّ الأخير مريضُ. وتقولُ له إن الاولويات من الأولى حتى الرابعة هى أن يتماثل للشفاء، كما تشكوُ فريدا من أجواء المُستشفى الكئيبة، تتساءَلُ: "أهذا السريرُ هو المكان الذي ينبغي أن أكون فيه بعد أن كنتُ جوابةَ الآفاق أطوف الشوارع والطُرق طوال حياتي؟". 
يصلُ سأم فريدا إلى حدٍ تريدُ الموتَ "لا أحتملُ الألم أكثر من ذلك"، وكما تخبرُ أليكس بأن إنعدام السلوى يزيدُ من عذاباتها. إلى جانب ذلك تعبرُ عن سخطها على الأطباء الذين أشرفوا على علاجها. ولا تنسى في السياق ذاته أن تسألَ اليكس عن المدن التي يسافر إليها باريس، برلين، نابولي، وما تعلمه مستفسرة عما يعرض في دور السينما. أكثرُ من ذلك تشيرُ فريدا كالو في بعض الرسائل التي خطتها قبل حادثة الحافلة إلى قراءاتها الأدبية والدينية والعلمية. 
وتختمُ الفنانة التي وصفها أندريه بريتون بقنبلة ملفوفة بعباراتٍ فائضة بالشوق والحب. وتوقعها باسم حبيبتك مرة أو أختك أو صديقتك مرة أخرى. كما تكتبُ في إحدى الرسائل الدموع توقع نيابة عني. هذا ما يؤكدُ شدة حزن فريدا نتيجة بقائها بين أربعة جدران فضلا عن سوء الوضع المالي للأُسرة.
قهر المسافة
لا يقتصرُ هذا المُؤَلفُ على ما كتبتهُ فريدا كالو لـ غوميز أرياس، بل يضمُ مراسلاتها مع من تعرفت عليهم خلال رحلتها إلى أميركا بصحبة زوجها دييغو ريفيرا إذ أرادت قهر المسافات التي تفصلها عن الآخرين، وبثت كثيراً من الأحزان الممضة لأصدقائها المُقربين. وعندما أقامت في أميركا راسلت والدها غيليرمو مُبلغةً إياه بتحسن حالتها الصحية وأبدت ثقتها بطبيبها المُعالج إلويسر، كما تطالبه بضرورة ضبط نفسه والإبتعاد عن الغضب. وإخبارها بكل جديده,
تراسلُ صاحبةُ أشهر بوتريهات أيضاً صديقة الطفولة إيزابيل كامبوس، والظاهر مما تحمله رسالتها للأخيرة أنَّ كالو سعيدة بإقامتها في الحي الصيني غير أنها تعلنُ صراحةً عدم إعجابها بمواطني الولايات المُتحدة لذا ظلَّ أصدقاؤها محدودين في هذا البلد.
ولا تفوت فريدا كالو الإشارة إلى تنظيمِ باكورة معارضها في نيويورك. وعقبَ عودتها إلى المكسيك بدأتْ بمراسلة طبيبها ليو إلويسر، فالأخير لعب دوراً كبيراً في المصالحة بين دييغو وفريدا. لذلك يهمُ فريدا التواصلُ معه معبرةً عن شكرها لصنيعه الجميل وتعهده بها إلى أن تعافت. وتخبره في رسالة أخرى عن أحوالها الصحية مستشيرة رأيه حول احتمال إنجابها للطفل وتأثير ذلك على وضعها الصحي. وما تذكرهُ كالو يوحي بأنها واثقة جدا من إلويسر لدرجة تضعهُ في صورة الظروف التي تمرُ بها وتحدد إيقاع حياتها المليئة بالتحديات. 
 
ولا تخلو رسائلُ كالو مما يبينُ أزمتها العاطفية مع دييغو ريفيرا. أمرُ تراهُ بالوضوح في رسالتها إلى كل من إيلا وبيرترام وولف مؤكدةً بأنَّه لا أحد يعرفُ حجمَ معاناتها مثل الاثنين، وتلمحُ إلى علاقة دييغو بأختها كريستينا. عليه تعتقدُ كالو بأنَّ ذلك الموضوع أعقد من أن يوصف بحماقة عاطفية. لافتةً إلى أن بعد مرور ست سنواتٍ أدركت عدم جدوى تضحياتها والتحامل على النفس من أجل ريفيرا. فبرأي الأخير أنَّ الوفاء فضيلة برجوازية وُجدت لإستغلال الشعب وجني منافع إقتصادية. لكن رغم كل ذلك التوتر بين زوجين ما أن يُصاب دييغو بالإلتهاب وتتدهور صحته حتى تراسل فريدا صديقها كارلوس تشافيز مُطالبة نصحيته حول ما يجبُ أن تقوم به لمُساعدة دييغو ريفيرا.
لا يُفارق شبحُ الملل حياة فريدا وما تمررهُ في رسائلها يؤكدُ ذلك الإحساس تفضي لصديقتها إيلا وولف تبرمها من رتابة أيامها قائلةً: "فإنَّ حياتي مثل قصيدة الشاعر لوبيث بيلاردي التي جاء فيها: ظلي كما أنت وفية لمرآتك اليومية. 
عطفاً على كل ما سلف فإنَّ فريدا كاهلو لم تتجاهل صوت قلبها أخبرت في رسالتها لإيلا وولف بحبها للرسام الإسباني جوزيب بارتولي مشددةً على ضرورة كتمان هذا السر. 
جزءُ آخر من الرسائل يوضحُ معاناة فريدا المادية إذ تلحُ على إيمي لو باكار القيام بتسويق لوحتها "الولادة" لدى محبي التحف الفنية. إضافة إلى ما تكتبهُ فريدا كالو للرئيس المكسيكي مستهجنةً الإستخفاف بأعمال شريك حياتها. 
فضلاً عن الرسائل يتضمنُ هذا الكتاب مداخلة الفنانة المكسيكية حول لوحتها "موسى" وشذرات من نصها الشعري. ما تتوصل إليه من متابعة هذه المحتويات أن فريدا كالو لم تكنْ فنانة تشكلية فحسب بل أديبة متمكنة وامرأة مثقفة.