Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Nov-2018

كـيـف يُـمـنـعُ الـفـساد - د. صلاح جرّار

الراي -  يعتقد كثير من الناس أنّ الفساد يعني السرقة والرشوة وسوء استخدام السلطة فقط، غير أنّ مفهوم الفساد أوسع من ذلك بكثير، وصوره لا تكاد تحصى، وإذا فسد الشيء فإنه لا يعود صالحاً، كالطعام والشراب والهواء، وكذلك المسؤول أو الموظف أو أي شخص مكلف بمهمّة، فمنهم من يصلح لها ومنهم من لا يصلح، والذي لا يصلح منهم للقيام بالمهمّة فهو فاسدٌ وإنْ لم يقم بالسرقة أو يحصل على رشوة.

إنّ مصدر الفساد في أي مؤسسة هو في تعيين أناس في مواقع أو وظائف لا يستطيعون إدارتها أو القيام بها، وقد يظنّ كثير من الناس أو خبراء الإدارة أن حصول الشخص على شهادةٍ ما يكفي لتعيينه في وظيفة أو موقع يناسب شهادته، ومع أنني لا أنكر أنّ الشهادة التي يحملها الشخص هي معيارٌ أساسي من معايير تعيينه هنا أو هناك، إلاّ أنني أرى أنّ الشهادة وحدها لا تكفي، إذ إنّ ثمّة شروطاً ومواصفات خاصّة لكلّ وظيفة أو مهمّة يكلّف بها الشخص، فإذا كانت الوظيفة ماليّة، فلا يكفي أن يكون المرشح لها حاصلاً على شهادة في المحاسبة، إذ لا بدّ من شروط يمتلكها المرشح كالدقّة والقدرة على التركيز والأمانة، وهذه شروط لا يجوز التنازل عن أي واحد منها، لأنّ افتقاد أيّ منها قد يكون مدمّراً للشركة أو المؤسّسة التي يعمل بها الموظف.
وإذا كانت الوظيفة تتطلب السريّة المطلقة، فلا يجوز الاكتفاء بحصول المرشح لها على شهادة في الإدارة أو في التربية أو القانون أو الطبّ مثلاً، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من التأكد من أمانة المرشّح ومحافظته على أسرار الناس أو أسرار العمل، وأنّ الإخلال بهذا الشرط قد يكون سبباً في سرقات وتجاوزات واختراقات وإضاعة حقوق الناس.
وإذا كانت الوظيفة تتطلّب العدل وعدم المحاباة والتحيّز تحت أيّ ظرف من الظروف، فإنّ شهادة المترشّح مهما كانت رفيعة ومهما كانت نتائجه فيها متفوقة ومتميّزة، لا تكفي أن تكون هي الشرط الوحيد لتعيينه في تلك الوظيفة، بل لا بدّ من التأكد من امتلاكه لصفة العدل والموضوعيّة والتجرّد من كلّ الاعتبارات والمؤثرات والخلفيات الاجتماعية والسياسية والعرقية والطائفية وسواها وعدم التحيّز بأي صورة من الصور.
وهذا ينسحب في نظري على الوظائف والمواقع الإدارية كافّة، إذ لا يجوز الاكتفاء بشهادة المرشح، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من اختبار شخصيته وملاحظة مدى مناسبتها للوظيفة المطلوبة وملاءمتها لشروطها.
ولا بد من لفت النظر في هذا السياق إلى أن نجاح أحد الموظفين أو المسؤولين في وظيفة أو موقع ما لا يعني بأيّ حال نجاحه في جميع المواقع أو الوظائف وذلك لأنّ لكل وظيفة شروطها، فقد يكون صالحاً في وظيفة وفاشلاً وفاسداً في وظيفة أخرى لأنه لم يحقق شروطها.
ومن هنا فإنّ من الضروري عند التفكير في تعيينات مهمّة أو ملء شواغر قيادية وحسّاسة مراعاة تحقيق الأشخاص المرشحين للشروط الخاصّة لكل وظيفة غير شرط الشهادة والخبرة.
وبذلك يمكن محاصرة الفساد والوقاية منه قبل حدوثه.
salahjarrar@hotmail.com