Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Feb-2018

دور المرأة في مشروع التنمية الوطنية دورا مزدوجا(2) - د. آية عبداالله الأسمر

 الراي - الدولة بأجهزتها والمجتمع بجميع مكوناته متورطون بشكل أو بآخر بعملية تنمية المجتمع المحلي، ولكن تحظى المرأة (ولن نتحدث هذه المرة عن المرأة العربية بل عن المرأة عموما في جميع المجتمعات البشرية والحضارات المختلفة) بنصيب الأسد ليس من الغنائم وعائدات التنمية بل من المسؤولية الفعلية والعمل المضني والعبء الثقيل والجهد الجهيد الذي يتطلبه نجاح مشروع التنمية.

 
المرأة في المجتمع كالعنصر الكيميائي النشط في الطبيعة قلما تجده على هيئة عنصر منفصل، بل عادة ما يتفاعل كيميائيا مع عناصر أخرى ليكوّن مركبات كيميائية تتحدّد الصفات الفيزيائية والكيميائية لهذه المركبات من خلال صفات العناصر المكوّنة له، فدور المرأة في المجتمع يختلف عن دور الرجل لأن المرأة عادة ما تكون زوجة أو/ وأما علاوة على كونها ابنة وأخت، ومن هنا فإن التأثير الإيجابي أو السلبي الذي تمارسه على المجتمع وعلى ازدهاره أو انهياره يتعدى تأثيرها المباشر كمواطن فرد إلى تأثير مزدوج أقوى جاذبية وأعمق أثرا وأشد فاعلية على المجتمع من تأثير بقية عناصره ومكوّناته، ذلك أن المرأة هي المسؤولة الأولى والمؤثر الأقوى والسلطة المهيمنة بل والمتحكم الفعلي في عملية تشكيل التركيبة النفسية والشخصية والتكوين الفكري والوجداني والمنحى العقائدي والسلوكي للأبناء الذين يمثلون جيلا كاملا سيتحمل أعباء المسيرة الوطنية، فإما أن يحقق هذا الجيل ما ننيط به من أحلام وإما أن يشق أفق الحلم بخنجر العبث والجهل واللامبالاة.
 
نحن ندرك حجم الصعوبات التي يواجهها الآباء اليوم أثناء تربيتهم لأبنائهم تحت وطأة العوامل السلبية بمجملها والتي راحت تشكل رغما عنا عوامل ساهمة في عملية التربية إلى جانب الوالدين، إلا أننا نعي تماما أن السنوات الستة الأولى في حياة الطفل تسهم بصورة رئيسية في تكوين شخصيته ونموه الفكري والنفسي والعاطفي، وتؤثر في بناء شخصيته المستقبلية، ولما كانت هذه السنوات الأولى بمنأى عن العوامل والأخطار الخارجية متمثلة في البيئة المدرسية الفاسدة ورفاق السوء والإعلام التسطيحي الإباحي الموجّه والتشويه الأخلاقي والتشويش الفكري، فإن الأسرة بشكل عام والأم على وجه الخصوص مدانة كمتهم أول في قضية فساد النشء وسوء التربية.
 
الأم لا ترضع ابنها الرضيع الحليب فقط، إنها ترضعه حب االله ومخافته، حب الوطن ومعنى الانتماء له وأهمية الحرص على ترابه ومصالحه، ترضعه حب الخير وحب العلم وجني المعرفة وضرورة التأمل والإبداع والابتكار، ترضعه احترام الآخر على اختلافه عنا ومعنا، واحترام الكبير لسنّه وخبرته والصغير لضعفه وحاجته، ترضعه العمق الجذري لمفهوم الأسرة ومعنى الارتباط والالتزام والمسئولية وحاجاتنا النفسية للاستقرار والشعور بالانتماء والهوية والذات، الأم لا تعتني بنظافة أبنائها الجسدية بقدر ما هي مسؤولة أيضا عن نظافة أعماقهم وأفكارهم ومشاعرهم وتوجّهاتهم الفكرية التي توجه وتحدد سلوكهم وأفعالهم ونشاطاتهم.
 
الدارس لعلم النفس والمتابع للمشاكل السلوكية التي يرتكبها المضطربون نفسيا يؤمن مثلي تماما بأن مواطن الخلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري والأخلاقي في المجتمع يمكن علاجها تدريجيا من خلال التركيز على أهمية الاهتمام بالتربية الفكرية والنفسية والعاطفية والأخلاقية للأفراد، وبالتالي ضرورة التركيز على الدور الحيوي الذي يلعبه الوالدان وبالذات الأم في عملية التربية.
 
هنا تبرز قيمة وضرورة أن تؤمن المرأة الأم بالمرأة الإنسان، فعليها أن تشد على يد ابنتها وتمنحها الثقة بنفسها كونها إنسانا له كل الحق في أن يتمتع بإنسانيته وحقوقه وكرامته ووجوده، من الضروري أن تفتح الأم لابنتها آفاق الحلم والخيال والأمل فتحرص على تعليمها وتثقيفها وتوعيتها، وتشجعها على العمل والتأمل وإعمال الفكر والإيمان بذاتها وقدراتها وإمكانية تحقيق طموحاتها. في الوقت ذاته الأم هي من يغرس بذور التمييز والعنصرية والتفرقة بين الأبناء الذكور والإناث وهي من يقتلع جذور هذه الأفكار العبثية من عقولهم ونفوسهم، فالأم هي من تمنح الذكر تذكرة سفر على مقاعد الدرجة الأولى في رحلة الحياة لأنها مقتنعة وقد أقنعته هو أيضا باستحقاقه لكل الامتيازات نظرا لكونه ذكرا، وهنا تكمن الكارثة، في ثقافة تزرعها المرأة طحالب تنمو على وتلتف وتخنق مستقبل المرأة، تكمن الكارثة عندما تحارب المرأةُ المرأةَ وعندما ترفض المرأة الاعتراف بذاتها وبحقوقها وبإمكاناتها وبكرامتها وبإنسانيتها من خلال رفضها للمرأة الأخرى.