الدستور - كتبت: نيفين عبدالهادي - قليلة هي الحالات التي يطلب فيها رئيس الوزراء من أحد وزرائه الإستقالة لمخالفته أمرا ما، ويمكننا القول اليوم أنها سابقة حكومية، يقوم بها الدكتور بشر هاني الخصاونة صاحب القرار الحاسم حيال أي مخالفة أو أمر سلبي يمكن أن يصدر من أحد وزراء حكومته، في طلبه من وزيرين في فريقه الحكومي بتقديم استقالتيهما لمخالفتهما أوامر الدفاع وحضورهما مأدبة عشاء ضمت عددا كبيرا من الحضور.
الخطوة تسجّل للدكتور الخصاونة، فهو بذلك يؤسس لثقافة جديدة اكثر وضوحا وحزما فيما يخص التعامل مع إجراءات السلامة الخاصة بوباء كورونا، فالأمر ليس مجرد طلب من وزير او أكثر الإستقالة، إنما أبعد من ذلك بكثير، إذ يؤكد رئيس الوزراء أن الجميع تحت القانون، والجميع يجب أن يلتزم، ولكل من عرف شخص رئيس الوزراء يدرك جيدا انه حازم في العمل وتطبيق القانون والإلتزام به، ولا شكّ أنها خطوة من «دولته» يسجلها التاريخ سيما وأن الوزيرين هما في واجهة القرار التنظيمي والقانوني في موضوع كورونا.
لا يمكن القول أننا أمام قرار عادي، فنحن أمام حالة ترسيخ ثقافة سيادة القانون، وتطبيقه، وحمايته، على الجميع الإلتزام بذلك، وفي مقدمتهم الوزراء، ومن يخالف حتما يطلب منه مغادرة قاطرة الحكومة التي هي دون ادنى شك تحت مجهر الرقابة النيابية والشعبية وتشكّل قدوة للجميع، وأي شائبة تشوب أدائها يجب القضاء عليها، وهو ما سجّله الدكتور بشر الخصاونة أمس عندما طلب من وزيري الداخلية والعدل تقديم استقالتيهما.
وبعدما صدرت الإرادتان الملكيتان الساميتان بالموافقة على قبول استقالة وزير العدل الدكتور بسام سمير شحادة التلهوني، ووزير الداخلية سمير إبراهيم محمد المبيضين من منصبيهما، وتكليف نائب رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية توفيق محمود كريشان بإدارة وزارة الداخلية، ووزير دولة للشؤون القانونية الدكتور أحمد نوري محمد الزيادات بإدارة وزارة العدل، اعتبارا من تاريخ 28/2/2021، تتجه الأنظار إلى شكل الحكومة خلال الأيام المقبلة وسط عدد من السيناريوهات التي يتسيّدها إجراء تعديل على حكومة الدكتور هاني الخصاونة قريبا.
وعند الوقوف على سبب طلب رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة من وزيري العدل الدكتور بسام التلهوني والداخلية سمير المبيضين، تقديم استقالتيهما، تبين أنه جاء بسبب مخالفتهما أوامر الدفاع، حيث جاء في أمر الدفاع رقم (19) بالبند سادسا، إلزام المطاعم بعدم السماح لأكثر من 6 أشخاص بالتواجد على طاولة واحدة في صالاتها، خلافا لما قام به الوزيران في حضورهما مأدبة عشاء ضمت تسعة أشخاص على ذات الطاولة.
وزير العدل المستقيل بسام التلهوني، قال فور تقديم استقالته «خدمة الوطن وجلالة الملك شرف لا يضاهيه شرف. الحمد لله خدمنا بإخلاص وحتى آخر لحظة خدمة ارفع الرأس عالياً انها كانت في جميع مراحلها شريفة نزيهة. واليوم أقدم استقالتي من الحكومة بسجل من العمل الدؤوب في خدمة الوطن والمواطن وجلالة القائد المفدى».
وفي متابعة «الدستور» لما هو آت، بعد صدور الإرادتين الملكيتين الساميتين، بدا واضحا حالة الإرتياح الكبيرة بالأوساط السياسية والشعبية لطلب رئيس الوزراء من الوزيرين تقديم استقالتيهما، ورفع منسوب الثقة بالحكومة في مواجهة جائحة كورونا وإدارة هذا الملف بشكل كبير جدا، معتبرين أنها سابقة تسجّل للحكومة وتجعلها نموذجا يحتذى في حماية القانون وسيادته.
منصب وزير الداخلية في حكومة الدكتور بشر الخصاونة، شغله وزيران خلال ثلاثة أشهر و16 يوما، وهما: توفيق الحلالمة، وسمير المبيضين، فيما كان قد تم تكليف وزيرين بإدارة وزارة الداخلية، خلال ذات المدة، وهما وزير العدل المستقيل بسام التلهوني، ووزير الإدارة المحلية توفيق كريشان.
وفي تقديم الوزير سمير المبيضين استقالته أمس تأتي بعد شهرين و26 يوما على مباشرة مهامه كوزير للداخلية، بينما لم تتعد فترة تولي الوزير الأسبق توفيق الحلالمة لمهامه مدة 30 يوما، حيث كان قد استقال بعد شهر من تشكيل الحكومة، وإجراء الانتخابات النيابية، وتحديدا في 12 تشرين الثاني 2020، وذلك على إثر مخالفات تمت خلال العملية الانتخابية.
وتبقى جدلية مستقبل حكومة الدكتور هاني الخصاونة تدور في فلك إجراء تعديل وزاري قريب، ولن يقتصر على حقيبتي العدل والداخلية، حيث ينتظر أن يشمل عددا من الحقائب التي قد يصل عددها لخمس حقائب، ومن الملاحظ وفق مراقبين أن التعديل سيكون لجائحة كورونا انعكاسات واضحة عليه، ذلك أن آلية التعامل مع الجائحة بكافة القطاعات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو تشريعية أو غير ذلك ستؤثر على المرحلة بشكل كبير.
وفي حسم القول، أنه بعد صدور الإرادة الملكية السامية، بقبول استقالة وزيري الداخلية والعدل، فإن موضوع التعديل الوزاري بات أقرب من أي وقت مضى، سيما وأن ذلك يأتي بعد مرور أكثر من (100) يوم على تشكيل حكومة دكتور الخصاونة، حيث ينتظر أن يجري التعديل خلال فترة قريبة، فيما تحدثت آراء عن تعديل بسيط وأخرى عن تعديل موسع، علما بأنه ليس التعديل الأول الذي يجريه الخصاونة على حكومته كما أسلفنا حيث جرى تعديل بعد استقالة وزير الداخلية الأول توفيق يوسف الحلالمة، الذي قدم استقالته بسبب التجاوزات الأمنية التي رافقت العملية الانتخابية.
وعند الحديث عن تفاصيل التعديل الوزاري في حال قرر رئيس الوزراء إجرائه، فلذلك عدد من السيناريوهات، حيث تتحدث آراء عن حمل وزير لحقيبتين وزاريتين، تمهيدا لإلغاء عدد من الوزارات، أو دمجها، في حين رأى اخرون أن التعديل سيكون على حقائب محدودة دون أي تغيير في هيكلة الوزرات، وقد يشمل فقد عددا بسيطا من الحقائب، في حين رأى مراقبون أن هذا التعديل ربما يشمل أكثر من ست حقائب، ما يعني ان الأمور تطرح بعدة سيناريوهات غير محسومة حتى اللحظة.
وبشكل عام، فقد اعتبر مراقبون ومواطنون طلب رئيس الوزراء تقديم وزيرين استقالتيهما لعدم الالتزام بأوامر الدفاع وتعليمات الصحة أمرا يسجل له، كون الجميع اليوم يعدّ شريكا في معركة مواجهة جائحة كورونا وتطبيق الحظر والمخالفات، فلا يجوز أن يكون التجاوز من السلطة التنفيذية.