Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jun-2018

من أجل وحدة وطنية ومستقبل أفضل - د. محمود الدبعي

 الراي- شهد الأردن بسقوط حكومة الملقي علي يد شبابها العظيم لحظة تاريخية فارقة بكل ما تعنيه الكلمة من تحولات جوهرية في بنية المجتمع والسياسة وتسطر لصفحة جديدة تمثل بداية لعصر من الحرية والديمقراطية واستعادة الإرادة الشعبية المسلوبة لتقرر مصيرها ومستقبلها بيدها.

دروس كثيرة سيتعلمها العالم ألعربي من أول حراك ابيض يعكس إرادة كل أطياف المجتمع الأردني وبشبابه وشيوخه لتؤكد أن الأردنيين رباط واحد لا يفرقه اختلاف سياسي أو ديني أو فئوي, وأن روحهم وإرادتهم لم تمت برغم اختطافها لسنوات وسنوات. وهي ظاهرة لم يحركها الخارج كما حدث في الكثير من الثورات في العالم العربي, بل كانت نبتا أردنيا خالصا يعكس رقي الأردنيين وتحضرهم في الاحتجاج السلمي والصمود حتى تحقيق المراد.
وجسدت كذلك الروح الوطنية الحقيقيّة حتى نبني عهدا جديدا يعكس تغييرا حقيقيا وشاملا في الاردن تسوده الديمقراطية والحرية وحق الشعب وإرادته في اختيار من يحكمه عبر انتخابات نزيهة وحرة وتتكرس التعددية والحرية الحقيقية سواء تعدد الأحزاب وحرية الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتغيير وازدهار المجتمع المدني وتحقيق التنمية الشاملة لكل الأردنيين وحقهم في العيش بحياة كريمة, فإن المرحلة الآن تتطلب تكاتف الأردنيين على اختلاف أطيافهم ليبنوا الوطن سويا, وهذا لن يتأتى إلا عبر الحوار الوطني الحقيقي الذي يستهدف عددا من الأمور:
أولا: دراسة التجارب السابقة بشكل موضوعي وجاد والوقوف علي سلبياتها وعللها الحقيقية لمنع تكرارها
في المستقبل, فلا شك أن انتشار الفساد واحتكار السلطة ووأد الأحزاب وقوى المجتمع المدني ونشر
التعصب والكراهية وإثارة الفتنة بين جناحي الوطن, ونخبوية التنمية التي قسمت الشعب إلى فئة قليلة
شديدة الثراء وأغلبية كاسحة شديدة الفقر, وتكبيل حرية الرأي والتعبير، وصورية المؤسسات, كلها كانت
البيئة التي تسببت في إفقار الشعب.
ثانيا: إن تقرير مستقبل الأردن لا يكون برؤية فئة واحدة تحتكر القرار وتستأصل معها الرؤي الأخري كما حدث
في السابق, ولكن عبر رؤية شاملة وتوافقية تعكس كل تصورات المجتمع في بناء ملامح البيت الجديد الذي
يجسد القاسم المشترك الأعظم لكل الأردنيين ويمثل أساسا صوب التقدم والازدهار.
ثالثها: إن الحراك الشعبي لكي يجني ثماره الحقيقية فمن المهم أن تتحقق الشروط الضرورية والكافية, فالهدف هو إقامة نظام سياسي جديد يرتكز علي المؤسسات الفاعلة والتي تعكس إرادة المواطن وليس إرادة الحكومة أو توجهات فئة بعينها, وتتمثل في انتخاب مجلس نواب عبر انتخابات نزيهة وحرة وتستهدف تشريعاته المواطن, وأن يمارس دوره الرقابي الحقيقي علي السلطة التنفيذية بما يمنع كل أشكال الفساد, وأن تكون السلطة التنفيذية بأجنحتها المختلفة سواء مجلس الوزراء أو المحافظين أو المجالس البلدية.
في خدمة المواطن والارتقاء به, وأن تتكرس استقلالية السلطة القضائية في أداء دورها في تحقيق العدالة,
وأن يكون هناك إعلام حر يعكس نبض المواطنين وهمومهم, وأن تترسخ قوي المجتمع المدني وتقوي
الأحزاب للقيام بدورها الحقيقي في التنشئة السياسية وتفريخ قيادات المستقبل, وأن يكون هناك جهاز
أمني قوي يتكاتف مع المواطنين ويسهر علي حمايتهم ويحترم حقوقهم ويوفر لهم الأمن والأمان.
كل هذا يمثل الشروط الضرورية لكنها ليست كافية حتي تتغير الاردن بشكل حقيقي فالمكمل لها هو
مسئولية المجتمع وأن يسري التغيير إلي جسد المجتمع وعقول مواطنيه وعلي جميع المستويات, فالديمقراطية في شقها الإجرائي والمؤسساتي ليست كافية بل الأهم هو في شقها القيمي وأن تكون
هناك ثورة في العقول وفي طريقة النظر إلي المستقبل وأن تتشرب قيم الحرية والمساواة وتداول السلطة
في كل مؤسسات المجتمع, ويسود التسامح وإحترام الرأي الآخر دون تخوين أو استئصال, وأن نربي مفاهيم
إتقان العمل والجودة وتقديس الوقت والحرص علي المصلحة العامة ومواجهة كل صور الفساد والمحسوبية, وأن نعالج مشكلاتنا وخلافاتنا عبر الحوار, وأن يساهم الجميع في تحقيق تنمية شاملة عبر شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع.
إن الإعلام والتعليم والخطاب الديني المستنير هو الثالوث الذي يشكل قاطرة التطور في المرحلة المقبلة
في إعادة صياغة عقل ووجدان الأردنيين في ترسيخ قيم الديمقراطية الحقيقية التي تمثل صمام الأمان
والضمانة الأساسية لاستمرار عملية البناء والتطور.
ولذلك من المهم أن نتجاوز سريعا هذه المرحلة الانتقالية الحساسة في تاريخ الأردن وأن يكون التركيز على
مستقبل جديد يعكس إرادة الأردنيين وطموحاتهم وأبرزها تداول السلطة واحترام كرامة المواطن وحقه
في حياة أفضل علي جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإلغاء القوانين سيئة السمعة
وتشريع قوانين جديدة تحقق الآمال المرجوة.
ولا شك أن هناك تحديات كثيرة وخطيرة تواجه الاردن لكن الحوار والتوافق والديمقراطية الحقيقية هي
الكفيلة بالتغلب عليها ومواجهتها, فاستمرار نفس طريقة التفكير القديمة والعقيمة قد تهدد بتفريغ
الحراك الشعبي من مضمونه وأهدافه الحقيقية وساعتها سيكون التغيير مجرد أشخاص وليس تغييرا في
السياسات والتوجه.
يجب ترتيب أولويات الاردن في المرحلة المقبلة علي المدي القصير وفق منهج إعلاء مصلحة الوطن العليا
فوق كل اعتبار وضمان عدم الارتداد إلي الوراء وتنفيذ كل مطالب الحراك وعلي المدي البعيد توسع الحوار
المجتمعي لمناقشة جميع القضايا في إحداث نقلة حقيقية ونوعية تضع الاردن في مكانته اللائقة به بين
الأمم والشعوب.
*نائب رئيس الهيئة الأردنية الأوروبية العليا
عضو ملتقى النشامى الأردنيين حول العالم
رئيس البيت الأردني في السويد