Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Nov-2019

نتنياهو حرر نفسك

 الغد-يديعوت أحرنوت

 
بقلم: أ.ب يهوشع
 
26 /11/2019
 
التقينا مرة واحدة فقط. عندما مثلت مسرحيتي في الكامري “سار اثنان معا” عن محاولات لمحادثات المصالحة بين بن غوريون وجابوتنسكي في 1934 في لندن، لم تتمكن من الوصول الى المسرح ولهذا فقد بعثت لك المسرحية بناء على طلبك، وبعد أن قرأتها اقترحت عليّ ان ألتقيك. جئت الى بيتك في بلفور في ظهيرة يوم جمعة صيفي حار، وانت كنت بعد يوم عمل مليء بالمشاغل ولهذا فإنك لم تتمكن من تناول وجبة الغداء، سألتني اذا لم يكن يضير لي أن تأكل بحضرتي، وأجبت بالإيجاب لأني لم أرغب في ان أثقل اكثر على جدولك الزمني. وبدت الوجبة التي وصلت الى غرفة العمل متواضعة وهزيلة. وعندها أشرت الى الصحن وقلت بسخرية، “ها هي مناعم حياتي”. لم نتحدث في الشؤون العامة كما لم تكن عندي نية بأن أبدأ بالمزايدة وإسداء النصائح. تحدثنا اساسا عن اللقاء بين هذين الزعيمين التاريخيين المهمين، بن غوريون وجابوتنسكي، اللذين يشكلان حتى اليوم بنية تحتية ذات مغزى لكل نقاش سياسي وايديولوجي جدي. كلاهما رافضان بوضوح للمنفى (جابوتنسكي: “اذا لم تصفوا المنفى، فالمنفى سيصفيكم”؛ بن غوريون: “وما هي اللاسامية حتى نشكو منها؟”). وعندها، حين لاحظت صورة اخيك يوني الراحل على رف الكتب، سألتك ماذا كان برأيك موقفه في موضوع رفض المنفى، ولمفاجأتي قلت انه كان اقرب الى مواقفي الحازمة مما الى مواقفك.
بالإجمال كان لقاء قصيرا. كان هذا في الفترة التي فكرت أنت وايهود باراك فيها قصف منشآت النووي لإيران ورأيت انه في اثناء الحديث كانت عيناك تتحركان بلا انقطاع قلقا نحو الخريطة الكبيرة للشرق الاوسط على الحائط في غرفة عملك، تتجهان المرة تلو الاخرى الى زاوية اليمين، الى ايران.
قرأت ذات مرة، ولا ادري اذا كان هذا صحيحا أم لا، بأن أباك قال ان برأيه انت في واقع الامر مناسب لأن تكون وزير خارجية وليس رئيس وزراء. وقد اثبت التاريخ بأن أباك اخطأ ولم يعرف كيف يقدر كامل قوتك. كنت رئيس وزراء حازما، مسؤولا مطلقا في الساحة السياسية، ذا قدرة حسم وذا قدرة عمل مذهلة. عندما رأيتك تقف، بناء على دعوة من بوتين، في الساحة الحمراء، في يوم الثورة، في تلك الساحة التي وقف فيها ستالين وبريجينيف وتستعرض مسيرة عسكرية، قلت لنفسي: “هذا الرجل هو فنان اعلام سياسي، ومع كل معارضتي الشديدة وغضبي على قراراتك السياسية ونفوري العميق من اسلوبك التحريضي، دربت نفسي ايضا على الحكم على افعالك وافعال رفاقك بشكل موضوعي كي اعرف كيف اكافحكم سياسيا وايديولوجيا بشكل اكثر تصميما ونجاعة. وكي لا اعلق في دوامة عابثة من الرفض المطلق. اما الان فانك توجد في مفترق حاسم في حياتك السياسية. انت تمسك بالدولة من عنقها فقط كي تحاول انقاذ نفسك من المحاكمة وفقا للائحة الاتهام التي رفعت ضدك. انت تعتزم جر الدولة الى حملة انتخابات ثالثة تضرب فيها معولا وتقسيما للشعب دون أن تجلب اي حسم جديد. بوسعك وبقدرتك ان تحرر الدولة من حملة انتخابات زائدة كهذه وان تحاول اثبات براءتك في المحكمة كمواطن مخلص لشعبه ووطنه. لم أجلس ابدا على كرسي القضاء، ولكني واثق ومتأكد من أنك اذا وصلت الى المحكمة كـ “محرر” وليس كـ “خانق”، فإن قرار المحكمة، مهما كان، سيعرف كيف يقدر على نحو سليم الموقف الذي اتخذته.
وعليه سيدي، حرر ليس فقط الدولة بل ونفسك ايضا، وكإنسان عمل بكد شديد في خدمة الشعب ونال كل الاحترامات والتشريفات، سيفتح امامك افق حياة مليء بالاهتمام ومليء بالتحدي الثقافي والفني الذي لم تعرفه. وستشهد، انت وابناء عائلتك تجارب واشخاص لم تعرف بوجودهم على الاطلاق. اذن فلعلك تتذوق حقا “مناعم الحياة” التي بزعمك لم تعطَ لك. نعم، هذه الساعة لأن نقول لك بأدب ولكن بحزم: كفى، تخلى. في الولايات المتحدة الاميركية، التي ترتبط فيها انت بعمق، يتغير الرؤساء وكل اصحاب المناصب كل اربع او باقصى الاحوال ثماني سنوات. والدولة الاميركية المتجددة
واخيرا، ككاتب، آخذ لنفسي احيانا الحق في ان اشجع ايضا اولئك الذين في معظمهم يمكنني ان أتخيلهم: اصدقاء حقيقيون لك، بينهم اولئك الذين توفوا، اناس رافقوك ايديولوجيا وسياسيا بإخلاص في طرق كثيرة والآن بعض منهم لا يمكنهم ان يقولوا لك ببساطة: تخلى، يا بنيامين نتنياهو، حرر الساحة السياسية التي احسنت جدا في التحكم بها وهكذا حرر نفسك ايضا الى افق جديد.