Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2019

الأردن وتركيا.. الزيارة والدلالات* د. صبري الربيحات

 الغد

في الشرق والغرب لا يوجد بلد يحتفظ بعلاقات متوازنة مع جيرانه واصدقائه واشقائه كما فعل الأردن. فبالرغم من الصراعات التي اجتاحت العالم العربي والحرائق التي اشعلها الصراع ظل الأردن البلد الوحيد الذي بوسعه التحدث مع كافة الفرقاء العرب وغير العرب بلا وساطة أو تحفظ. 
خلال الأوقات الصعبة التي عايشتها البلدان العربية اسهمت سياسة الأردن الخارجية المتوازنة في الحفاظ بدرجة كبيرة على مبدأ عدم جواز التدخل بالشؤون الداخلية للجيران واحترام وحدة أراضي الدول المجاورة والنظر إلى الحروب الأهلية كشأن داخلي فلم يقطع الأردن علاقاته بأي من الدول العربية وبقي محتفظا بمستوى مناسب من التمثيل الدبلوماسي مع الجميع.
الحراك السياسي خلال الأيام والأسابيع الماضية أظهر مستوى الرشاقة والديناميكية التي تتمتع بها الدبلوماسية الأردنية. فقد استقبل الأردن خمسة وزراء خارجية عرب في لقاء تشاوري لتأسيس تحالف يقف في وجه التهديدات التي يتفاوت تقييم الاطراف لمصادرها ودرجة خطورتها وقد تزامنت الزيارة مع الاستعدادات التي كان يقوم بها الديوان الملكي لزيارة ملكية رسمية لتركيا وأخرى لتونس.
في الزيارة الملكية تعبير عن تقدير الأردن لدور تركيا الاقليمي ومواقفها من القضية الفلسطينية وتجديد للرغبة في التعاون الثنائي بين البلدين في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية حيث تتطابق وتلتقي المصالح الاستراتيجية لكل منهما. فمن بين دول الشرق الأوسط كان الأردن وتركيا الأكثر وضوحا في رفضهما لما سمي بصفقة القرن والأكثر التزاما بالشروط والمبادئ والقرارات الأممية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس والإيمان بحق الأردن في الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس.
في هذه الزيارة بدا الأردن وكأنه يتحرك بين اصدقاء يشاركونه الرؤيا والإيمان والتوجه والموقف دون تردد أو مسايرة فهو لا يتبنى مواقف جاهزة ولا يسترضي أحدا أو يتحرك على استحياء لدعم اطماع توسعية أو رغبات في العرقلة والانتقام كما يحدث في العديد من الأوساط العربية.
الحرص الأردني على تحرر الإرادة وصيانة استقلالية القرار وتنويع الخيارات كان واضحا في توقيت الزيارة وسياقها ورمزيتها فقد أكد الجانبان على العلاقات التاريخية وتطابق وجهات النظر والمواقف فيما يخص القضايا الاقليمية وفي مقدمتها القدس وفلسطين وتباحثا في آفاق تطوير التعاون الاقتصادي والتنسيق الأمني بما يخدم مصالح الشعبين. وكما في تركيا جاءت الزيارة الملكية لتونس تعبيرا عن دعم الأردن للديمقراطية التي تترسخ في هذا القطر العربي وسعيا لتعميق الصلات العربية الأردنية بدول المغرب العربي بعدما تعرضت لشيء من الفتور. 
على المستوى الاقتصادي شهدت العلاقات الأردنية العراقية تطورا ملحوظا اسفر عن توقيع عدد من الاتفاقيات وفتح الحدود والإعلان عن المباشرة بتزويد الأردن بجزء من حاجاته للنفط مقابل خفض الرسوم على الواردات العراقية والتهيئة للربط الكهربائي والخط الناقل للبترول العراقي عبر العقبة وغيرها من الخطوات التي شكلت بارقة أمل للشعبين الشقيقين.
في الحوار الذي اجرته إحدى القنوات العراقية مع خبير أردني سأل المذيع ضيفه الأردني عما يمكن أن تجنيه العراق من هذه الاتفاقيات والتقارب وما لدى الأردن من ميزات يمكن أن تستفيد منها العراق. لا انكر أن المذيع فاجأني لكن السؤال ليس غريبا ولا جديدا فقد اصبح شائعا يطرحه العرب وغيرهم بطرق مختلفة. لقد قال الضيف الأردني الكثير عما يمكن أن يقدمه الأردن من خبرة ومعرفة وتسهيلات وأسواق عالمية مفتوحة لمنتجاته.
ما لم يقله الخبير الأردني أن لدى الأردن سمعة واحتراما وقبولا عالميا يصعب أن تجد له مثيلا وقد تأسس ذلك على سماحة دينية ومحبة إنسانية والتزام بالمبادئ والمواثيق وبعد عن العداء والتزمت وسعة صدر مكنته من استيعاب العروبة والموازنة بين التناقضات فأبقى على علاقات طيبة مع المعتدي والمعتدى عليه، والظالم والمظلوم، والمتعجرف والمتسامح، فظل على علاقة طيبة بالاخوان المسلمين الذين حوربوا في كل أرجاء المشرق والمغرب دون أن يعادي العسكر، وظل يحترم الشيعة دون أن يغضب السنة ويعيش على أرضه اليوم السوري والعراقي والمصري والليبي والسوداني واليمني كما يعيشون في بلدانهم وبين أهلهم. العبقرية الأردنية شيء من السهل الممتنع الذي لا يدركه الكثير من الاخوة العرب فيراه البعض على انه غموض أو تردد ولم يتنبهوا إلى أن هذا أحد أهم السمات التي ابقت على الأردن سليما وسط كل هذا الصخب والفوضى.