Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Nov-2018

نحو ثقافة دينية شرعية رشيدة في زمن الشبهات والفتن (1-4) - أسامة شحادة
 
 
الغد- شهدنا في الأسبوع الماضي موقفين واضحين وصريحين تجاه ترسيخ ثوابت الإسلام وأحكامه وأدلّته الشرعية وإبطال المحاولات المتكررة لتحريف الدين والإسلام والتلاعب بأدلته ومصادره وأحكامه وتشريعاته من قبل السلطات الرسمية أو قوى في المعارضة، انطلاقاً من أرضية علمانية، وشاركهم في ذلك عدد من الشخصيات المحسوبة على العلم الشرعي الإسلامي ولكنها معروفة بشذوذها وانحرافها وسعيها خلف أهوائها ومصالحها الشخصية بالحصول على منصب أو سمعة أو دعم مادي أو معنوي كالدكتور سعد الدين الهلالي، فضلاً عن البعض الذي تحول من مسار العنف والتطرف الديني والغلو إلى مسار الانبطاح والتحلل والتطرف العلماني المضاد كأبي حفص المغربي!
وكان الموقف الأول لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب، الذي بيّن وأصّل لمركزية السنة النبوية في التشريع الإسلامي وأن كل الدسائس ضد السنة النبوية هي -في حقيقتها- تهدف إلى هدم الإسلام، وأن جذور تلك المحاولات قديمة، وتعود لأكثر من قرن في الهند إبان هيمنة الاحتلال البريطاني عليها.
أما الموقف الثاني فهو الاستنكار الإسلامي العالمي لمساعي الرئيس التونسي لتبديل أحكام الشريعة الإسلامية في المواريث، ومن أبرز المستنكرين لهذا التحريف لقطعيات الإسلام الأزهر وجامعة الأزهر ودائرة الإفتاء المصرية، وكان في العام الماضي قد استنكر عدد كبير من علماء وشيوخ تونس هذا الموقف المصادم لقطعيات الإسلام وثوابته القرآنية.
وتكشف هذه المحاولات المتكررة والدائمة والمتغيرة الشكل والأدوات والمبررات أن مزاعم أعداء الإسلام بأن هدفهم تجديد الخطاب الديني ومحاربة التطرف والغلو وأنهم لا يسعون لتبديل الدين أو الاعتراض على الثوابت والقطعيات كلها مزاعم كاذبة وشعارات مضللة، فهاهم يسعون لضرب الإسلام وتفريغه من محتواه كما بيّن شيخ الأزهر بنفي حجية السنة النبوية التشريعية مما يعطل الإسلام، وضرَب مثالاً لذلك بالصلاة، وهي من أركان الإسلام القطعية، إذ أن نفي حجية السنة النبوية التشريعية والاقتصار على مرجعية القرآن الكريم يجعل من الصلاة أمراً مبهماً لا تُعرف حقيقته ولا كيفيته، والتي تكفلت ببيانها وتفصيلها السنة النبوية! والأعجب من هذا كله هو الحل الذي قدمه هؤلاء المحرفون للدين والإسلام لمعضلة كيفية الصلاة عند نفي السنة النبوية التي هي المصدر الثاني في دين الإسلام، حيث قال أحدهم إن كيفية الصلاة تتغير بتغير الزمان، ويضعها رئيس البلاد بمشورة مستشاريه! ولا أظن أن هناك تلاعبا بالدين يفوق هذا التلاعب من جهة وهيمنة وتدخل للسياسة في الدين من جهة أخرى، برغم مزاعم العلمانيين وأضرابهم بفصل الدين عن السياسة! 
وكشفت دعوى الرئيس التونسي بتبديل قطعيات الإسلام أن القرآن الكريم وقطعيات الإسلام ليست مقدسة ومحصنة من الأهواء، وأن القوم ماضون في مصادم الدين لأبعد مدى.
إن مما يحتاجه المسلمون والمسلمات في هذا الزمان هو الحرص على امتلاك ثقافة دينية شرعية رشيدة من مصادر مأمونة تحصّنهم من مزالق تحريفات الغلو والتطرف الديني والعلماني للإسلام وأحكامه، وأيضاً تحصّنهم من مزالق التمييع للدين وتبديل أحكامه من قِبل أصحاب الأهواء والأغراض من أدعياء العلم والتدين وأصحاب الدعوات الهدامة واللادينية.
ومن أهم ركائز امتلاك هذه الثقافة الدينية الشرعية الرشيدة فهْم واستيعاب أن الإسلام بشريعته وعقيدته له حقيقة واضحة بيّنة كاملة رضيها الله عز وجل الخالق لعباده "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" (المائدة: 3)، ولذلك فأي دعوى بنسبية الحقيقة بشكل عام هي دعوى باطلة، أو أن الدين مسألة ذوق كالفن والأدب وليس له منهج علمي أو معايير موضوعية هي سفسطة خبيثة مقصودة وتهدف إلى نسف مكانة الدين ومرجعيته في حياة البشر، وأي دعوى أن هناك أشياء في الدين غير مكتملة أو أن العصر الحديث يتطلب تبديلا في الدين بخلاف ما كان في عصور سابقة تعتبر تكذيبا صريحا للقرآن الكريم. 
وبعد استيعاب هذه الحقيقة يلزم إدراك أن حقيقة الدين يُتوصل لها من خلال ثلاثة مصادر كما يقول الأستاذ بسطامي سعيد في كتابه المتميز (مفهوم تجديد الدين): "إن مصادر حقائق الدين ثلاثة أشياء: النصوص الموحاة، ومعاني هذه النصوص، والاستنباط منها، ولكل واحد من هذه الأقسام منهج علمي محدَّد مضبوط، فهناك منهج علمي لتوثيق النصوص، ومنهج لطريقة فهمها، ومنهج للاستنباط منها، وما يتوصل إليه عن طريق هذه المناهج حقائق لا شك في ذلك".
ومن أدرك الخطوط العريضة لهذه المصادر الثلاثة لفهم حقيقة الدين والشريعة الإسلامية فإنه يكون قد حاز ثقافة دينية شرعية رشيدة تقِيه الشبهات والفتن، وتنير له الدرب للترقي في التدين السليم الذي يحقق له السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة، ويجلب للمجتمعات الوئام والنهضة ويجنّبها مسالك التطرف والغلو الديني والعلماني وكوارثه العنيفة، ويجنبها مهالك التهاون والتمييع التي تجتذب أمراض الترف والرفاهية المؤذنة بزوال العمران والمُلك.
وفي المقالات التالية سنتناول هذه المصادر الثلاثة (النصوص الموحاة وهي القرآن الكريم والسنة النبوية، ومعاني هذه النصوص، وآلية الاستنباط من النصوص) بنوع من التفصيل والشرح، والله الموفق.