Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-May-2018

عن الصين مرة أخرى (1) - رومان حداد

الراي -  أشار المقال السابق إلى الصين كقوة عظمى صاعدة وبعض القيود التي تكبلها على المستوى الداخلي، غير أن رؤية الصين من زاوية واحدة تعد رؤية قاصرةتمنعنا من قراءة الصين كقوة دولية حقيقيةومميزاتها، فدراسة الصين كقوة دولية صاعدة أمر ضروري لفهمها بصورة أعمق، فالصين لها أسلوبها في إدارة الأزمات وبناء العلاقات الدولية، وهو أسلوب مختلف عما اعتاد عليه العالم من القوى الكبرى، وربما يرجع ذلك كون العالم ظل محكوماً من قبل العقلية الغربية القائمة على مفهوم الاستعمار، ومن ثم مفهوم الانتداب، ولاحقاً مفهوم التبعية.

الرؤية الصينية السياسية للعالم تختلف تماماً عن تلك الأساليب، فهي تستند إلى مبدأ الشراكة والتعاون، وبناء العلاقات طويلة المدى بصورة مستدامة، ولمن يريد أن يقيس أسلوب الصين في التعامل مع الأزمات عليه أن ينظر ملياً في طريقة تعاملها مع كل من هونغ كونغ وتايوان.
فالصين لا تخوض معارك عسكرية كبرى إلا في حالة التهديد الحال والمحدق عليها، كما حصل عام 1960 بحربها ضد الهند، والتي انتصرت بها الصين، رغم أن انتصارها لم يحسم المشاكل بين البلدين تماماً، ولكن الصين استطاعت تطبيع علاقاتها مع جارتها الهند عبر السنوات التالية، لتكون الهند شريكة الصين في تحالف البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا). وليبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقارب 70 مليار دولار.
فالصين أصبحت قادرة على إدارة النزاعات بعيداً عن استخدام القوة، واستعاضت عن الرؤية الغربية القائمة على القوة العسكرية برؤيتها القائمة على الرؤية الاقتصادية ونظرية تبادل المنافع، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جارة العالم بحسب قول المفكر إدوارد سعيد، وهو ما يؤشر إلى نفوذها السياسي، فإن الصين في بيوتنا، كإشارة إلى حجم المنتجات الصينية التي يزخر بها كل منزل في العالم، وهو مؤشر على حجم قوتها الاقتصادية.
فغزو الصين للعالم تجارياً فتح لها أبواب العلاقات الدولية بصورة لم تكن لتفتح من خلال الحروب والسياسة، فالصين اليوم هي أكبر شريك للعديد من الدول التي كانت تشاطرها العداء مثل اليابان، كما أنها استطاعت عبر بوابة الاقتصاد إنشاء علاقات وتقويتها مع دول عديدة في قارة إفريقيا، حيث أنشأت الصين (1700 (مشروع تقريباً فى (50 (دولة إفريقية في الفترة ما بين عامي (2000 (و(2011 ،(كما التزمت بمساعدات ومشاريع تنمية فى إفريقيا تبلغ قيمتها (75 (مليار دولار فى العقد الماضي.
أصدر (معهد سياسة الأمن والتنمية) في (ستوكهولم) تقريراً حول علاقة (الصين وإفريقيا) في عام 2009 كتبه البروفيسور (جورج تي يو) الذي شغل منصب مدير مركز (دراسات آسيا والهادئ) في جامعة (إلينوي الأمريكية) من العام 1992 وحتى العام 2004.
وذكر التقرير أن العلاقات الصينية الإفريقية قامت على أسس سياسية واقتصادية أوسع وأعمق من مفهوم الاستحواذ الصيني على الموارد. ففي نهاية الخمسينات وبداية الستينات، كانت دبلوماسية الصين في (إفريقيا) تقوم على خدمة الأيديولوجيا حيث كانت تسعى للحصول على الدعم الدولي والاعتراف، فـالصين كانت تسعى في تلك الفترة إلى كسر العزلة الدوليّة في مواجهة عدوّين، الأول استعماري غربي بقيادة (الولايات المتّحدة الأمريكية)، والثاني يتمثّل بـ(الاتحاد السوفييتي السابق).
ولتعزيز العلاقات الصينية الإفريقية، قامت (بكيّن) بإنشاء (مجلس الاعمال الصيني – الإفريقي) في تشرين الثاني عام 2004 بغرض دعم استثمارات القطاع الخاص الصيني في كل من (الكاميرون)، و(غانا)، و(موزنبيق)، و(نيجيريا)، و(جنوب إفريقيا)، و(تنزانيا) حيث ان التجارة المتبادلة بين الصين وإفريقيا تزيد على 180 مليار دولار.
إذن الصين تقترح طريقة جديدة لإدارة العالم، وهذه الطريقة غير المجربة مسبقاً من قوى كبرى عالمياً تحتاج لفترة من الوقت لإثبات مدى صدقيتها، وكذلك مدى نجاعتها، ولكن لا بد من الاعتراف أن الصين كقوة كبرى بأحلامها العظمى يجب قراءتها ودراستها بكثافة وتعمق.