Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Aug-2018

حوارية في دارة الفنون حول بناء جدران بيوت عمّان الأولى
 الغد - ضمن المعرض الثاني الذي تقيمه دارة الفنون – مؤسسة خالد شومان بمناسبة احتفالاتها بعامها الثلاثين، حاور المهندس عمّار خمّاش، الذي يشارك بالمعرض بعمل "نحن نسكن تراكم الزمن"، د. عبد القادر عابد عالم المتحجّرات، ودار الحوار حول بناء جدران بيوت عمّان الأولى من صخور فوسفاتيّة احتفظت بعظام وأسنان حيوانات من العصور القديمة.
 في البداية رحب خماش بالدكتور عابد الذي كتب زهاء 100 بحث علمي محكم في الجيولوجيا على مختلف أشكالها، واهتم كذلك بالفلك والآثار وبتاريخ الأردن. وأشار خماش إلى أنه التقى الدكتور قبل 20 عاما عندما كان يدرس الآثار والأنثروبولوجيا، وقرر الالتحاق بكلية العلوم في الجامعة الأردنية، ومنذ ذلك الوقت صار خماش يبحث في عينات من منطقة البقعة وساعده عابد في تحليلها ثم أصبحا يعملان في الميدان. وقال عمّار خماش: "في الميدان تعلمت أن أرى العظام في الصخور كطبيب يرى صورة أشعة".
وأشار خماش إلى كتاب "جيولوجية الأردن وبيئته ومياهه" للدكتور عبد القادر عابد. وأضاف "بعد أن رأيت بعين ثلاثية الأبعاد، اكتشفت أن هذا الجدار الفوسفاتي؛ وهو أحد جدران مباني دارة الفنون، فيه آلاف من هياكل العظام. فكيف تكونت الفوسفات ولماذا هي موجودة في هذا الجدار وراءنا، وما الذي جاء بها إلى عمّان وما أصلها؟".
وللإجابة على هذا السؤال أكد دكتور عابد أن المكان هو أقدم من عمّان، وصخور الفوسفات موجودة في الأردن وفي مناطق مثل الرصيفة حيث توضحت حول البحر قبل حوالي 85 مليون سنة، أما مدينة عمّان فهي حديثة، وعبر امتداد الرصيفة للغرب من عمّان يمكن أن يرى الإنسان صخور الفوسفات بشكل أوضح من عمّان المكتظة بالكثير من المنازل مما يمثل صعوبة لدى الباحثين في دراسة صخورها.
وسأل خماش حول آثار أسنان سمك القرش وعظام الحيوانات في الصخور، ولماذا معظمها تعود إلى البيئة البحرية، فأجاب الدكتور عابد أنه في صخور الفوسفات عالية الجودة يمكن رؤية أسنان سمك القرش لثلاث سنتمتر وبكل سهولة، وتكون مدببة وطويلة ولم تتآكل مع الزمن.
واضاف "وجدنا عظام فقاريات مختلفة معظمها أسماك، ومنها طيور وأسماك ، وكل هذا يدل على بيئة بحرية غير عميقة نسبيا 100 م إلى 200 م لأنها لو كانت عميقة فالفوسفات لا يترسب بها، ويبدو أن مياه البحر كانت غنية بالمواد المغذية كالفسفور والسيلكون، وكانت هناك كائنات بحرية دقيقة تتغذى عليها كائنات أخرى؛ فالنظام الغذائي كان موجودا، وهناك أسماك ماتت وترسبت وبقيت عظامها وأسنانها لكنها لا تشكل غير 20 بالمائة من الفوسفات الأردني، والبقية عبارة عن ترسيب كيماوي خضع لظروف فيزيائية معينة للمياه الغنية بالفوسفات".
 ولفت خماش إلى أهمية توجه الفنون حاليا، لموضوع الفن المفاهيمي كالأعمال التي قدمتها منى حاطوم مثلا، مشيرا إلى أن "الفكرة هنا أننا نعيش في بيوت ومنازل جميعها بها ترسبات، وعمّان حتى الأربعينات والثلاثينات والعشرينات كانت محاجر". ثم تساءل "هذه الأسماك؛ ما البيئة التي ترسبت بها؟"
في هذا السياق قال عابد إن هذا يقودنا للعودة 100 مليون سنة للوراء تقريبا، فجميع منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بما فيها بلاد الشام غطتها مياه البحر، فكان الأردن والمنطقة من حوله تحت البحر. هذه الفترة ترجع إلى 65 مليون سنة، هي عمر الأردن الجيولوجي، وهي الفترة التي منحت الأردن شيئا من الموارد، كالفوسفات الذي ترسب فيها، وكذلك الصخر الزيتي وحجارة البناء المميزة للأردن.
 من جهته قال خمّاش إنه قبل 80 مليون سنة، كان السمك الموجودة أسنانه على هذا الجدار يعيش في بيئته، متسائلاً: "أين كان موقع الأردن بالنسبة لخط الاستواء؟". وأجاب دكتور عبد القادر على هذا السؤال بقوله إن الأردن لم يكن بعيداً عن جنوب خط الاستواء بقليل، مؤكداً "نحن نرحل منذ 450 مليون سنة من الجنوب إلى الشمال، ففي العصر الأوردفيشي كنا في المنطقة القريبة من القارة المتجمدة الجنوبية، وهناك أدلة جيولوجية على ذلك".  أما حول موضوع أن الجدار الفوسفاتي وأنه مشع لأن فيه يورانيوم، أوضح عابد أنه لا خطورة لليورانيوم الموجود في صخور الأردن، فهو الأقل نشاطا، وهناك في الحسا الكثير من الفوسفات لكن لا تمثل خطرا على السكان.
 وسأل خماش الذي أشار في البداية إلى موقع جبل اللويبدة المقابل لمسجد أبو درويش وما بينهما من حفرة تمثل وسط البلد، حول هذا التكوين الذي يمكن ربطه بالحلابات وبالقوس السوري، وكم عمره على وجه التقريب، فقال عابد "لو عدنا 35 مليون سنة للوراء سنجد أن البحر كان موجودا واختفى، وبدأت الأردن ترتفع إلى فوق، وانكشف كل شرق البحر الأبيض المتوسط وما عاد هناك ترسيب، لكن الصخور المكشوفة بدأت تتعرض للحت المائي من الأمطار، وهذ صنع تعرية للصخور، والآن لو كنا موجودين في ذلك الزمن لكنا موجودين على صخور أخرى غير الموجودة الآن، لأن هذه الموجودة الآن تشكلت متأخراً".
 وسأل خماش "الجيولوجيون يقومون بعمل خرائط جميلة للأردن، في الخارطة يظهر العمود الجيولوجي، ونحن حالياً في منتصف هذا العمود، وأول العمود يصل عمره إلى 600 مليون سنة حيث مَعْقَد العقبة، لقد كان فوقنا تكوين الموقر وتكوين أم الرجام والشلالة التي ترسبت آخر شيء، أين ذهب هذا الترسب، وما سببه؟". وللإجابة على ذلك قال الدكتور عبد القادر إن السبب هو مياه الأمطار، فالمطر حمل التراب ورسبه في أماكن أخرى كسيل الزرقاء، فالحبات الكبيرة تترسب على الجنبين والناعمة منها يمكن أن تصل حتى البحر الميت. مضيفاً أن قاع الغور ووادي عربة والبحر الميت مناطق تهبط باستمرار بينما الجبال ترتفع باستمرار، وبسرعات متباينة، لكن على مدار ملايين السنين تظهر واضحة. وما تزال هذه العملية مستمرة حتى الآن. ومثال ذلك جبال الشراة جنوب الأردن فهي مرتفعة ضعف ارتفاع جبال عمّان، موضحا أن الأردن كان مائلا، فهو في الجنوب مرتفع، وفي الشمال منخفض، وكذلك فهو مرتفع غرباً، ومنخفض شرقاً، وهناك الكثير من الحرّات التي تشكل سطح المنطقة.
 وبين خماش أنه "بالنسبة للفنانين والنحاتين والمعمارين والجيولوجيين، هناك حركة فن في الأرض، وهناك خلطة غريبة بين الفن والجيولوجيا، وبدأ هذا التمازج منذ السبعينات".
وأوضح أنه من الغريب أن كل الألوان المستعملة أصلها جيولوجي من رخام واسمنت وحديد، وكل البيوت هي من مستودع جيولوجي كبير، لافتا إلى أنه في الأردن كان مدير المتحف الوطني سهيل بشارات جيولوجياً والرسامة التركية صبحة عبد الرشدان كان زوجها رشدان من الجيولوجيين الذين عملوا على منطقة العقبة.
وتساءل عن قصة خطوط وادي اليتم، فأجاب عابد أن أقدم صخور في الأردن عمرها 800 مليون سنة، في منطقة وادي عربة، لكن لو أخذنا منطقة العقبة فهي تكونت من صخور جرانيتيه بشكل عام، وهذه الصخور استمرت من 800 مليون سنة إلى 540 مليون سنة، وهي المتشكلة في جوف الأرض ثم كشفتها عملية التعرية، وتمتد من الجزيرة العربية حتى اليمن، فنحن نتكلم عن صخور نارية وليست رسوبية وهذه الصخور لها خير كثير في البلدان الأخرى كتلك الموجودة في السودان ويتم استخراج الذهب منها.
وبين خماش اكتشاف دكتور عبد القادر عابد للفوسفات في مدينة إربد، وحول هذا الاكتشاف قال عابد "أنا شخصيا أفنيت عمري في دراسة الفوسفات، ولما رأيت الصخور هناك عرفتها، ويبدو أن السُمك قليل لذا لم تظهر بسهولة"، وأضاف "هناك حزام فوسفاتي جديد في الصحراء الجنوبية الشرقية للأردن في وادي عربة وزقيمات الحصى وفيه كميات كبيرة لكن عميقة".
 وتحدث عابد عن جبل عمّار في منطقة "بطن الغول" في أقصى جنوب الأردن وقبل منطقة المدورة، مشيراً إلى أن هذا الجبل المخروطي لا يحمل صفات الصخور المحيطة به. واضاف "حسب قراءتنا المستمرة اكتشفنا أن هناك صخور جليدية في الأردن، فذهبنا أنا وزملاء لي، وكان الجبل مختلفاً في شكل الطبقة والمكونات والألوان، فأخذنا عينات وبحثنا عن أحافير مجهرية ولم نجد شيئاً، أما الصخور التي بجانبه ففيها آثار حيوانات. وبعد البحث عن الصخور الجليدية وجدنا الكثير من الحصى مختلفة الأحجام والأطوال ومعظمها سطحها مصقول، ثم فيها خطوط وهذا لا ينشأ إلا في الأنهار الجليدية، مما أكد لنا أنها صخور جليدية ورسوبيات جليدية"، وأشار عابد إلى أن هذا الاكتشاف يقود إلى أن الأردن كان جزءاً من القارة المتجمدة الجنوبية، وكان مغطى بالجليد الدائم.
وأوضح خماش للجمهور أن معنى 800 مليون سنة، هو كقولنا أن لدينا مكتبة من كتب متعددة تمتد من هنا حتى مطار الملكة علياء، كلها كتب وكل صفحة هي سنة، وهذه الكتب كلها تغطي 100 مليون سنة، أي أننا نعيش حياتنا على هذه الأرض كلحظة صغيرة ونادرة.
من جانبه بين عابد أن "صخورنا حديثة جدا نسبة لما هو موجود في بلدان أخرى في العالم. لكن الأردن رغم صغره لديه تنوع في الصخور، والنشاط الإشعاعي هو الذي مكننا من تحديد أعمار الصخور من خلال النظائر المشعة".
وفي الختام أكد عمار خماش ضرورة التوفيق بين التوجهات الفنية الحديثة لبعض الفنانين الذي يشتغلون على الفن المفاهيمي، وأهمية دخولهم حقل العلوم الذي يساهم في تفتيح المدارك على أهمية المختبرات وعملها، وتعريف الناس بالجهد الكبير الذي يبذل لمعرفة كيف تكونت الأرض.