Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Jan-2018

التعليم العالي بين التطوير النظري والعملي - أ.د. محمد عبد القادر خريسات

 

 
الغد- لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الفاعل الذي أحدثته وستحدثه مؤسسات التعليم العالي في الأردن، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل أدت هذه المؤسسات الدور الذي كان يؤمل منها؟ وهل هي في المسار التقدمي أم في المسار التراجعي؟ وفي كلتا الحالتين لا بد من البحث عن الأسباب التي أدت إلى ما أدت إليه، لنتعرف إلى الطرق التي يمكننا وصفها بالمسار الصحيح.
وقبل البدء في محاولة التشخيص لهذه التساؤلات لا بد من توجيه النظر إلى الأسئلة التالية:
- كيف يمكن للحكومة أو أية حكومة أن تتكيف مع التنوعات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما هو دور الجامعات فيها؟
- كيف يمكن للحكومة ولإدارات الجامعات المختلفة الحصول على استجابة سريعة ومرنة لمعالجة المشاكل الإدارية والأكاديمية والمالية لهذه الجامعات؟
- ثم ما هي حدود التوجهات لتطوير الجامعات وتحسين الأداء، وتلبية الحاجات المتنوعة والمستجدة؟
من المعلوم أن ظاهرة العولمة والثورة التكنولوجية والطغيان الاقتصادي والسياسي والنهب المباشر وغير المباشر لثروات الأمة، وخلود المجتمع إلى أنظمة متقادمة وقوانين خارجة عن نطاق العصر تعرقل بصورة أو بأخرى التطور في معظم المفاصل التعليمية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الواجب يفرض علينا إعادة بلورة دور الجامعات في ظل المتغيرات المحلية والعالمية، ويشتمل ذلك على تغيير في النظم التعليمية، فلسفة وطرق تدريس وأقسام وكليات ليصبح هذا النظام الأساسي المعرفي هو المعيار السليم القادر على رسم النظرة الشمولية نحو تلبية الاحتياجات المتنوعة والملحة، ولن يأتي ذلك إلا بوضع الأطر والآليات القانونية الكفيلة بتطوير الجامعات.
إن جمود أوضاع التعليم العالي، ووقوفه في نقطة عدم التجاوز، رغم التغيرات الهائلة التي حدثت للبشرية هو السبب المباشر في تراجع الجامعات وتخلخلها. لقد بدأ هذا الدور يتوقف في البداية عند الهيكلة التنظيمية لوزارة التعليم العالي من حيث الاستحداث والإلغاء وما تبع ذلك من تغيير لهيكلة مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء للجامعات وهيئة الاعتماد ومعادلة الشهادات وما إلى ذلك من مسميات لم تخرج في أطرها العامة بالشيء الجديد الذي يعمل على إحداث تغييرات في الهيكلة التنظيمية للجامعات. ويمكن القول أن هذه التسميات في حالتي الإحداث والإلغاء بقيت تراوح مكانها دون أن تترك الأثر الفاعل في تطوير التعليم العالي والدخول به إلى القرن الحادي والعشرين.
لقد قامت إحدى الحكومات بإصدار قانون شكلت بموجبه مجلس أمناء لكل جامعة من الجامعات، وكانت الغاية الظاهرة هي الوصول بكبار الأغنياء إلى هذه المجالس لتقديم التبرعات والدعم المالي لهذه الجامعات والتي تعاني عجزاً كبيراً في الميزانيات كل عام.
أما الغاية الباطنة فكانت إرضاء للبعض. وكانت النتيجة أن المأمول لم يحصل، بل وفي بعض الحالات كانت هذه المجالس تعيق الحركة، والتوسط لدى رؤساء الجامعات لتمرير الملتجئين إليهم لإشغال بعض المراكز الجامعية من جهة، ومن جهة أخرى حاولت بعض هذه المجالس الرجوع بالجامعات إلى ربع قرن مضى بالإصرار على إحداث أساليب لا تتفق وطبيعة الأمور، بل هي مسرحيات خيالية تدرب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء على ممارسة لا تتفق وفلسفة الجامعات الأردنية. ومازلنا حتى هذه اللحظة نكرر أنفسنا بالأهداف المتعلقة بمجالس الأمناء ومجلس التعليم العالي. بل الأسوأ من ذلك أن أحد وزراء التعليم العالي قد عين في مجالس الأمناء لا يقل عن عشرة ما بين مفصول من جامعته أو إنهاء خدمته الإدارية قبل موعدها، أو ممن ليس لديهم الخبرات حتى القليلة بالأنظمة والقوانين.
وبلغ من سطوة بعض رؤساء المجالس أن ألغوا قرارات اتخذها نوابهم مما يؤكد على عدم مراعاة الاستقلالية للجامعات.
ثم جاءت ولادة الجامعات المتلاحقة على المستويين الرسمي والخاص لتزيد الأمور تعقيداً دون أن تقوم الدولة بدراسة الاحتياجات ومكان هذه الجامعات وأخذها بعين الاعتبار الكثافة السكانية، ومن هنا فإن هذه الجامعات في غالبيتها لم تقم على أسس موضوعية، ولم يُعد لها الإعداد الكافي من حيث الكوادر التعليمية والأبنية والتجهيزات الجامعية، واختيار التخصصات التي ستسهم في بناء الحياة المعرفية الجديدة، وعدم تكرار ما هو قائم في الجامعات الأخرى.
إن الحاجة لاستقبال أعداد كبيرة في الجامعات في السنوات القادمة أمر تفرضه الزيادة السكانية، لكن الارتجال في إنشاء هذه الجامعات سيؤدي بنا إلى تخريج الأعداد المتلاحقة من العاطلين عن العمل وهذا ما تحقق فعلاً، ولا يخفى ما لذلك من دور على اتجاهات شبابنا ونزوعهم نحو التذمر والقلق والتطرف والانحراف نتيجة الفقر والعازة.
وإذا عدنا إلى الجامعات التي قطعت شوطاً من عمرها الزمني وتم طرح السؤال التالي: هل لدى هذه الجامعات خطة واضحة لمواجهة ما يلي:
1 - إعداد الكوادر العلمية المؤهلة والمدربة لتخريج أجيال متتابعة من العلماء والباحثين.
2 - استقطاب الكفاءات العلمية المهاجرة خارج الوطن بدلاً من هجرتها.
3 - تزويد المكتبات والمختبرات الجامعية بالجديد لمواكبة التطورات العلمية المتغيرة.
4 - دراسة أوضاع الجامعات المستقبلية وإحداث برامج لسد النقص في بعض هذه الجامعات، وعدم الاتكاء على البرامج التقليدية التي بدأت تعاني من الفائض من الخريجين.
إن الجواب على هذه الأسئلة يحدد المسار التقدمي أو التراجعي لهذه الجامعات، وإذا كانت هذه الجامعات قد توقفت عند نقطة ما ولم تجاوزها أصبح من الضروري المسارعة إلى ما يلي:
- التحديد الدقيق للفلسفة التي تقوم عليها هذه الجامعات بصورة خاصة وفلسفة التعليم العالي بشكل عام.
- تعديل النظم بما يحقق حرية الاختيار ولا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، وتتناسب مع الأهداف المرسومة ضمن الإمكانات المتاحة للجامعات مادياً وبشرياً.
- تعديل نظم وقوانين تعيين أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم بما يتفق وأهداف الجامعة وبما يحقق الربط بين متطلبات الوظيفة ومؤهلاتها وشروطها. وهنا لا بد من جعل التثبت في الخدمة عشر سنوات بدلاً من ستة على سبيل المثال، مع إمكانية العودة إلى العقود المؤقتة تجدد لفترة لا تقل عن عشر سنوات ثم يعاد تثبيته في الخدمة. وخلال فترة العقود تنهى خدمات كل عضو يظهر تقصيراً في المجال التدريسي والبحثي والمهني والأخلاقي خلال هذه الفترة.
- إعادة النظر بالأقسام والمناهج الدراسية الحالية بحيث يشمل ذلك الإلغاء والدمج والتعديل والإضافة، وأن يتم ذلك عن طريق لجنة عليا تشرف على جميع الجامعات العامة والخاصة وفق رؤى واضحة.
- تحديث الإدارة الجامعية واعتماد مبدأ الكفاءة لا الوساطة مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الرتبة والأقدمية والتقارير السنوية عن عضو هيئة التدريس.
- تعديل نظم التقويم والامتحانات بحيث تخرج من دائرة "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" والتقويم يجب أن يبدأ من عضو هيئة التدريس وينتهي برئيس الجامعة.
- وضع مدة زمنية لمن يعين رئيساً للجامعة بخدمة لا تقل عن عشر سنوات في رتبة الأستاذية.
- التقنين في منح الدرجات العلمية العليا ووضع شروط أكثر حداثة لمن يلتحق بها، وفصل من لا تثبت كفاءته. وقد أدى التوسع في ذلك إلى تخريج الكثيرين ممن لا تتوافر فيهم الشروط العلمية لنيل تلك الدرجات.
- عدم التوسع في إنشاء الجامعات سواء كانت عامة أم خاصة إلا بعد توفر الكوادر العلمية والمرافق الجامعية الكاملة.
- الإشراف المستمر والحقيقي من وزارة التعليم العالي على الجامعات الخاصة وبرامجها وسير التعليم فيها ومدى التزامها بالأنظمة والقوانين، مع تغير أنظمتها الحالية، وعدم التركيز على الطريقة الربحية فقط. وأن يتم ذلك بلجنة تشكل لهذه الغاية لمدة سنتين فقط ولا يحق لشخص العضوية فيها أكثر من مرة واحدة فقط.
- دعم ميزانيات الجامعة سواء كان ذلك بزيادة الإيرادات المحلية أم بالتبرعات من الشركات والبنوك وكبار الأغنياء، وإنشاء صندوق لهذه الغاية.
- إرسال البعثات السنوية إلى مختلف الجامعات ذات السمعة الطيبة في العالم.
- وضع خطة لإلغاء التعليم الموازي والبرامج الدولية، وعدم التمييز بين أبناء الوطن، مع رفع تدريجي بسيط بالرسوم لتحقيق الميزانية اللازمة.
- وضع نظام دقيق يكفل رعاية الطلاب المتفوقين والأساتذة الباحثين وتشجيعهم وفق نظام المكافآت.
- تعديل القوانين بوقف الزيادات السنوية لأعضاء هيئة التدريس لمن لا ينشر بحثاً في السنة على الأقل بعد ترقيته إلى رتبة أستاذ.
- إعادة النظر بأنظمة وتعليمات الدراسات العليا، فمن غير المعقول أن رسالة الماجستير والدكتوراه لا تحصل على علامة واحدة في التقدير، وهذا مما أضعف هذه الرسائل، وبالإضافة إلى ذلك أرى أن ترسل الرسالة إلى ثلاثة أعضاء من خارج الجامعة أو لعضوين وكتابة تقرير مفصل عنها، ثم تجتمع اللجنة بإضافة المشرف وعضو من القسم لمناقشة الطالب بهذه الملاحضات وتوضع له علامة لتدخل في التقدير للطالب.
إن عدم وضوح الأهداف والفلسفة والخطط والبرامج وتضارب الرؤى وربما تناقضها مع ما صاحب ذلك من تقلبات حادة وجذرية في نظم التعليم الجامعي طالت أهدافه وفلسفته، كل ذلك أدى إلى حجب الرؤية السليمة في غالب الأحيان.
وقد رافق ذلك مصطلح الطفو الإداري المتعلق بشغل الوظائف القيادية الجامعية، فبدلاً من أن تحكم الجامعة نفسها بنفسها ظهر على سطح الجامعة قيادات هزيلة تمنح ولاءها لمن يخدم أهدافها الشخصية.
إن كثرة الواسطات في تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم فاقت قوة اللوائح والقوانين، مما جعل الأوضاع الجامعية في حالة تردٍ وهبوط أداء التعليم العام.
وهناك مشكلة أخرى تواجه التطوير في الجامعات، وهي مشكلة لا يدركها من هو خارج الحرم الجامعي، ألا وهي اتسام العمل الإداري الجامعي بالبيروقراطية والمركزية الشديدة سلبت الجامعة والأساتذة على حد سواء حق تقرير شؤونهم العلمية، لما تميزت به من تدخل مسفر من جانب الإدارة وأجهزتها في سير العملية التعليمية.
وبالرغم مما ذكر فإننا إذ أردنا الإصلاح الحقيقي للجامعات علينا إعداد خطة خمسية أو عشرية نتبادل فيها كل فترة مبادرة واحدة مثل: المناهج، وفي السنة الثانية الأنظمة والقوانين، وفي الثالثة أعضاء هيئة التدريس، وفي الرابعة الطلاب وهكذا إلى أن تكتمل جميع عناصر التعليم العالي المراد تطويرها.